بطانة الأمراء وظهارتهم، ودخوله في أدق الأسباب السياسية في مصر، سواء ما اتصل منها بالدولة المحتلة (إنجلترا) أو بالدولة المتبوعة يومئذ (تركيا).
وفي الغاية، لا تنس أثر سياحاته الكثير في بلاد الغرب، وفي بلاد الشرق القريب، ومخالطته لأصناف الخلق، ووقوفه على طباعهم وأخلاقهم ومأثور عاداتهم، وما تجلى من صور الطبيعة في بلادهم، وغير ذلك مما لا يتهيأ لكثير من الشعراء.
وبعد، فمما لا يعتريه الريب أن شوقي يعد بحق، من أعظم أقطاب الشعراء في العالم العربي كله؛ بل إن بعض النقدة ليتخطى به القرون فيصله بأعلام الشعراء في أزكى عصور العربية وأنضرها بياناً
ولقد تصرف شوقي في كل فن، وجال في كل غرض، وأصاب من كل مطلب، فبذ وبرع. وعارض متقدمي الشعراء ومتأخريهم فما قصر ولا تخلف. ولقد ظل جيلا ونصف جيل يرسل غالي الشعر، ما وقع في البلد من حدث إلا جلجل بالقريض، ولا كانت الجلى في رجاً من أرجاء العالم إلا نظم ما تتقطع من دونه علائق الأقلام.
وهنا ينبغي أن يذكر له ولصاحبه حافظ ابراهيم، عليهما رحمة الله، انهما من أوائل من بعثوا الشعر في الأغراض العامة، وخاضوا به في المسائل الاجتماعية، فأغنوا وأجدوا، وأصبح أثرهم في هذا الباب ثابتاً على وجه الزمان.
ومن خصائص شوقي في شعره أنك قد تراه يمدح أو يرثى أو يتصرف في غير هذين الفنين من فنون القريض، ولكنه لا يفتأ ينحرف عما هو بسبيله إلى ضرب مثل أو إجراء حكمة فيها كل النفع لو قد أخذ بها الناس.
وهو طويل النفس جداً حتى لقد يبلغ بالقصيد المائة، وقد ينيف عليها في غير قلق ولا إسفاف. ولقد بلغت قصيدته (كبار الحوادث في وادي النيل) مائتين وتسعين بيتاً أكثرها من مصطفى الشعر ومتخير الكلام.
وله مقطوعات شعرية يرجعها بعض حذاق المغنين اليوم ومن شعره الذي لو تقدم به الزمان لكان حقيقاً بان يتغنى به أمثال إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق قوله من قصيدة (لبنان):
دخل الكنيسة فارتقبت فلم يطل ... فأتيت دون طريقه فزحمته