خاص، ودواوين الشعراء على وجه أخص. ومن أعظم من عنى بقراءة دواوينهم، واستظهار أشعارهم، وانتهاج طرائقهم، ومباراتهم في منازعهم. أبو نواس، وأبو تمام، والبحتري، والمتنبي. وقد نضح أربعتهم على شعره، فكان أثر كل منهم فيه بينا. وإنك لتلمح فيه حلاوة أبي نواس ودقة وصفه، وتصرفه في فنون الغزل، وإشادته بمجالس اللهو، وافتنانه في الخمريات، كما تلمح فيه احتفال أبي تمام للمعاني الرفيعة والارتصاد لإصابتها مهما جشمه ذلك من إعنات اللفظ وجلجلة الصياغة. ولقد تلمح فيه هلهلة البحتري، وإحكام نسجه، وبراعة نظمه. أما أثر المتنبي في شعره ففيما ترى من شيوع الحكمة والإكثار من ضرب المثل
ولا يذهب عنك أن هذا الكلام ليس معناه أن شوقي إنما هو مستعير منهم ومقلد لهم. بل الغرض أنه استظهر أشعارهم فاتصلت بذوقه، وجرت في عروقه، وخالطت طبعه فنضحت على قلمه.
والواقع أنه إذا كانت أشعار هؤلاء الشعراء وغيرهم من العناصر التي دخلت على شاعرية شوقي وجلته في هذه الصورة، فانه مما لا شك فيه أن للرجل شخصيته القوية الخاصة به، والتي ينفرد بها عن سائر من عداه من الشعراء، حتى إنك لو عرضت شعره على أهل البصيرة من نقدة الكلام لما ترددوا في نسبته له وإضافته إليه، شأن غيره من فحول البيان. واعلم ان احتفال الشاعر للمعاني حتى ليقلق الألفاظ في سبيلها لا ينافي اجتماعه في بعض الأحايين لاحكام النسج وتجويد الصياغة. والشاهدة على هذا ما نرى في شعر أبي تمام والبحتري كليهما.
ولا شك أيضاً في أن من العناصر التي دخلت على شعر شوقي فذهبت به هذا المذهب حذقه اللغة االفرنسية، وسعة اطلاعه فيها على أدب الغرب، وترويه عيون بلاغاته. ومن الحق أن يذكر له في هذا المقام، أنه كثيراً ما مس فمن معاني القوم أو لمحها في شعره، ومع هذا لقد جلاها عربية خالصة لا تنشز على الذوق العربي، ولا يجد هو فيها ريح الاستعجام. وإذا ذكرنا أن شوقي من أوائل من ارتصدوا لهذا وعالجوه في العصر الحديث، فجاء به عربياً خالصاً في مثل هذا اليسر، قدرنا بمبلغ كفايته وتبريزه في فنون البيان.
كذلك من العوامل التي لها أثر واضح في شعر شوقي نشأته في بيت الملك، ومقامه في