حدثاً، ونشرت مدائحه يومئذ في (الوقائع المصرية) وارتفعت من قورها إلى ولي الأمر. فدل هذا على أن فيه طبيعة؛ وانه أوتى الموهبة. ثم لقد كشف الزمن عن ان تلك الموهبة من الضرب الرفيع الغالي الذي يضن بنفسه على الأجيال
ولا شك في أن المواهب الفنية لا تعلل. فان حاولت أن ترد هذا إلى أنه قد دخل في أصله العنصر العربي، فهذه ملايين الخلق من خلص العرب، لم يقولوا الشعر ولم تنتضح به ألسنتهم، وأكثر من عالجوه منهم لم يرتفعوا إلى شيء من حظ شوقي، وإن أنت رددته إلى أنه جرى في أعراقه الدم اليوناني، فهذه الملايين من اليونان الخلص لقد تعذرت عليهم ملكة الشعر فلم يجيئوا منه بجيد ولا برديء
نعم، لقد يكون للعنصر وللدم دخل في توجيه شاعرية الشاعر، وتكوين عقليته وفي تصوير منطقه، وتلوين عاطفته، والذهاب بنزعته مذهباً خاصاً. ونحو ذلك. أما أن ذلك مما يخلق الموهبة خلقاً، فهذا مالا يكون.
شعره
تقدم لك في أثناء هذا الكتاب صفة الشعر في العصر الحديث (من الحملة الفرنسية). وكيف كان يغلب عليه الضعف والإسفاف، والدوران في فنون من الأغراض لا غناء فيها لمطالب العاطفة، ولا لحاجات المجتمع. ولقد نجم شوقي أول ما نجم والكثرة الغامرة من جمهرة الشعراء على هذا؛ على أنه من يمن طالعه أن تقدمه إلى قرض الشعر أفذاذ ثلاثة: عبد الله فكري، ومحمود سامي البارودي، وإسماعيل صبري. فدلته الموهبة عليهم، وعدل من فوره إلى احتذائهم، وانتهاج طريقهم في تجويد الشعر باصطفاء اللفظ، وإحكام الصياغة، والاحتفال للمعاني، وعدم استهلاكها في سبيل البديع، صنع أكثر من يقوم في العصر من الشعراء.
ولقد كان في صدر شبابه كلما قرض قصيدة أو نظم مقطوعة من الشعر عرضها على إسماعيل باشا صبري، وهو شاعر قد بلغ الغاية من دقة الذهن، وكمال الذوق، ورهافة الحس، فلا يزال يعالج معه ما عسى أن يقع من قلق في اللفظ، أو انحراف في المعنى، أو نشوز على مواقع الجمال. وتلك كانت سنة كثيرة من الشعراء من قديم الزمان.
وشوقي، فوق هذا، كان شديد الاكباب على قراءة الكتب بوجه عام، وكتب الأدب على وجه