للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأدخلت الأكاديمية الفرنسية - يشد أزرها ويعاونها طائفة من ساسة فرنسا وعلمائها - إصلاحات كثيرة على الرسم الفرنسي. وقد جانبت في إصلاحاتها هذه مناهج الطفرة، واتبعت سبل التدرج البطيء. فكانت تدخل في كل طبعة جديدة لمعجمها - بجانب التنقيحات اللغوية والعلمية - طائفة من الإصلاحات الإملائية. وقد أقرت في عام ١٩٠٦ مجموعة هامة من القواعد الجديدة في الرسم الفرنسي. هذا إلى إصلاحات العلامة جريار التي تناولت كثيراً من نواحي الرسم وأقرتها الأكاديمية الفرنسية. وكانت كل مجموعة من هذه الإصلاحات تلقى مقاومة عنيفة من جانب غلاة المحافظين. وعلى الرغم من ذلك فقد عم الأخذ بها، وكان لها أكبر فضل في تيسير الرسم الفرنسي وتضييق مدى الخلاف بينه وبين النطق الحديث.

والرسم العربي نفسه قد تناولته يد الإصلاح أكثر من مرة من قبل الإسلام ومن بعده. ومع ذلك لا يزال عدد كبير من المفكرين في عصرنا الحاضر يأخذون عليه كثراً وجود النقص والإبهام، وينادون بإصلاحه من عدة نواح وخاصة فيما يتعلق برسم الهمزة والألف اللينة، وابتداع طريقة لإحلال علامات ظاهرة ترسم في صلب الكلمة محل الفتحة والكسرة والضمة حتى يتقى اللبس في نطق الكلمات: (عَلِم، عُلِم، عِلْم، عَلَمَ. . . الخ). ولكن الرسم العربي ليس في حاجة إلى كثير من الإصلاح، فهو أكثر أنواع الرسم سهولة ودقة وضبطاً في القواعد ومطابقة للنطق.

هذا، وعلى الرغم من المساوئ السابق ذكرها، فإن لجمود الرسم على حالته القديمة أو ما يقرب منها بعض فوائد جديرة بالتنويه، فهو يوحد شكل الكتابة في مختلف العصور، ويسهل تناقل اللغة، ويمكن الناس في كل عصر من الانتفاع بمؤلفات سلفهم وآثارهم. فلو كان الرسم يتغير تبعاً لتغير أصوات الكلمات لأصبحت كتابة كل جيل غريبة على الأجيال اللاحقة له، ولا احتاج الناس في كل عصر إلى تعلم طرق النطق والإلمام بحالة اللغة في العصور السابقة لهم حتى يستطيعوا الانتفاع بمخلفات آبائهم. هذا إلى أن جمود الرسم على حالته القديمة يفيد الباحث في اللغات أكبر فائدة. فهو يعرض له صورة صحيحة لأصول الكلمات، ويقفه على ما كانت عليه أصواتها في أقدم عصور اللغة فالرسم للألفاظ أشبه شيء في هذه الناحية بالمتحف للآثار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>