دينية , وكانت لها أهميتها في تمحيص السنة والرواية. وكانت تجمع بين جماعة من أقطاب الفقهاء والحفاظ والمحدثين الذين يعتبرون في الطبقة الأولى بين فقهاء الإسلام ورواة السُنة، مثل يزيد بن حبيب، والليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، ثم الشافعي وأصحابه. ثم اتخذت هذه الحلقات طابعاً أدبياً، فكان يمزج فيها بين الكلام والأدب، وكان معظم فقهاء هذا العصر أدباء أيضا ًيأخذون من الأدب بحظ وافر، ولبعضهم في الشعر والنثر براعة خاصة. ونستطيع أن نذكر من هؤلاء الأمام محمد بن إدريس الشافعي قُطبْ الشريعة وحُجة التشريع، فقد كان أيضاً أديباً مبرزاً له في الشعر والنثر محاسن وروائع وكذلك آل عبد الحكم الذين نذكرهم بعد؛ وأبو بكر الحداد قاضي مصر؛ والحسن بن زولاق المؤرخ فقد كان هؤلاء جميعاً من كبار الفقهاء والأدباء وكان الفقه والحديث والأدب تمتزج معاً في مجالسهم وأسمارهم. . ولعل أبهى حقبة في هذه الحلقات الشهيرة في تاريخ الفسطاط مستهل القرن الثالث الهجري ففي ذلك الحين كان الإمام الشافعي نزيل الفسطاط وكان مدى الأعوام التي قضاها بمصر منذ قدومه إليها في أواخر سنة ١٩٨هـ (٨١٣م) حتى وفاته في رجب سنة ٢٠٤هـ (٨١٩م) قطب الحركة الفكرية فيها وكعبة الصفوة من فقهائها وأدبائها يجذبهم إليه غزير علمه ورفيع أدبه، وبارع خلاله. وكانت حلقات الفسطاط الأدبية شهيرة قبل مقدمه لكنه اسبغ عليها بهاءً وسحراً وروعة. وكان أبو تمام الطائي الشاعر الأكبر إذا صحت الرواية عن مقدمه إلى مصر صبياً واشتغاله بسقي الماء في المسجد الجامع يغشى هذه المجالس الأدبية في حداثته وفيه تفتحت مواهبه الأدبية والشعرية. والظاهر انه كان طبقاً لهذه الرواية يقيم في الفسطاط في خاتمة القرن الثاني أو فاتحة القرن الثالث أعني في نحو الوقت الذي كان فيه الشافعي نزيلها. وكان أشهر هذه الحلقات أو الأبهاء حلقة بني عبد الحكم , وهم أسرة مصرية نابهة كثيرة المال والوجاهة؛ أنجبت عدة من كبار الفقهاء منهم عميد الأسرة عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو من أقطاب الفقه المالكي وأولاده محمد وسعد إبنا عبد الحكم وكلاهما فقيه ومحدث كبير وعبد الرحمن بن عبد الحكم أقدم مؤرخ لمصر الإسلامية. وقد كان بنو عبد الحكم منذ القرن الثاني أعلام الفقه والتفكير والأدب في مدينة الفسطاط وكانت دارهم كعبة العلماء والأدباء ومنتدى للدراسات والأسمار الأدبية الرفيعة، وكانت حلقاتهم العلمية والأدبية تجذب أكابر