للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلماء الوافدين على مصر من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فلما قدم الإمام الشافعي إلى مصر كان بنو عبد الحكم أول من استقبله وأكرم وفادته؛ وأمدته الأسرة النابهة بالمال ونظمت له سبل الإقامة والدرس؛ وكانت أول من انتفع بعلمه وأدبه. وبث مقدم الشافعي في آداب الفسطاط روحاً جديدة واشتهرت مجالسه وحلقاته الفقهية والأدبية. وكانت حقبة علمية أدبية زاهرة (١٩٨ - ٢٠٤هـ) وكانت حلقات المسجد الجامع أو جامع عمرو منذ إنشائه سنة ٢١هـ (٦٤١م) قلب الفسطاط الفكري وكانت تعقد فيه مجالس القضاء الأعلى كما كانت تعقد مجالس الفقه والأدب الخاصة. وصحن المسجد الجامع شهير في تاريخ الفسطاط الأدبي وقد كان مدى قرون ندوة فكرية أدبية جامعة وكانت بين جدرانه توجه حركة التفكير والآداب في مصر الإسلامية. ويبدو مما كتبه مؤرخو الفسطاط في هذا العصر أن هذه الحلقات دورية وكانت منظمة برغم صفتها الخاصة. أنها كانت تعقد كل يوم تقريباً في المسجد الجامع. ولكن الظاهر أن أهمها ما كان يعقد يوم الجمعة؛ وأن مجالس الجمعة كانت تعتبر كموسم أسبوعي يغص المسجد فيه بجمهرة الفقهاء والأدباء والقراء والنظارة. وفيها كانت البحوث الكلامية، والمناظرات الأدبية، والمطارحات الشعرية والرواية التاريخية تنظم في حلقات فرعية أو متعاقبة.

وكانت هذه الحلقات الأدبية الشهيرة تتأثر بتطور السياسة والأهواء السياسية والدينية، إذ كانت موئل التفكير والدعوة إلى مختلف المذاهب الفقهية والأدبية. ففي سنة ٢٢٦هـ مثلاً أمر محمد أبن أبي الليث قاضي قضاة مصر تنفيذا لرغبة الخليفة الواثق بالله، بالقبض على جميع الفقهاء والمحدثين والأدباء باسم الامتحان في مسألة خلق القرآن وهي المعروفة بالمحنة فملئت السجون بالمنكرين لخلقه من العلماء والأدباء، وأغلِقَ المسجد الجامع في وجه المالكية والشافعية، وفضت حلقاتهم العلمية والأدبية، ومنعوا من زيارة المسجد، ومن بث آرائهم ونظرياتهم وأخذ بنو الحكم فوق أخذهم بالمحنة بتهمة أخرى، وهي تبديد أموال طائلة ائتمنوا عليها من علي بن عبد العزيز الجروي، وهو زعيم خارج تغلب حيناً على بعض نواحي مصر ثم أخمدت ثورته، وأتهم بالخيانة، وقضي بمصادرة أمواله، فأتهم بإخفائها بنو عبد الحكم، وقبض عليهم وعذبوا واستصفيت أموالهم أداء لما قضي به وتوفي بعضهم في السجن (سنة ٢٣٧هـ) ثم أفرج عنهم بعد ذلك، ولكن هذه المحنة ذهبت بوجاهة

<<  <  ج:
ص:  >  >>