للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

متعلماً. والمؤسسات الديمقراطية لا تجعل الشعب ديمقراطياً، ما لم يكن أفراده قد عرفوا معنى الديمقراطية واستطاعوا أن يتمتعوا بها، وأن يستفيدوا منها. ومعرفة معنى الديمقراطية واستغلالها الحكيم ليس شيئاً يسقط من السماء، بل لابد لخلقها في نفوس الشعب من المال والمجهود. ونحن جادون في هذا السبيل بالتربية التي نقدمها لأبناء الشعب في مدارسنا. وليست التربية عندنا أن نصب عقول الناشئة في قوالب منتظمة، فتخرج قطعاً منتظمة تركب في عجلات المحرك الحكومي، فتؤدي وظيفتها دائرة مع هذه العجلات دوراناً آنياً، حتى إذاً عراها الصدأ أو تحطمت ألقينا بها جانباً، واستبدلنا بها غيرها، والحقيقة هي أننا لا نريد أن نجعل أبناء الجيل القادم صناعاً مهرة فحسب، ولكنا نريدهم أن يكونوا مواطنين صالحين في شعب ديمقراطي، قادرين أن يقوموا بدورهم بنجاح فيما هم أهل له، سواء أكان ذلك في ميدان الكرة، أم في نقابة التجار أم في المجلس المحلي أم في دار النيابة. نريد أن ننشئهم بحيث يعرفون كيف يحكمون أنفسهم ويساعدون من يحكمهم. فأنت إذاً ترى أن غاية التربية في مدارسنا ليست إقدار الناشئة على كسب الخبز ونيل الوظائف، ولكن الغاية من تعليمهم التاريخ والجغرافيا والاقتصاد هي أن يصبحوا في أمتهم أعضاء يقدرون حقوقهم المدنية، ويعرفون واجب الأمة عليهم

أفلاطون: صحيح كل هذا، وهو يطابق تماماً ما قرأته لأحد ساستكم إذ يقول: إن التعليم العام للشعب ما هو إلا تجربة في الحكم الذاتي. ولقد كان لهذه العبارة أثرها ومعناها في نفسي لأني أنا كنت قد حاولت في مدينتي الفاضلة أن أجعل جميع أفرادها يشتركون في حكومتها الذاتية. غير أن تجربتي لم تنجح فحدثني إذاً عن نتائج تجربتكم التربوية هذه، وهل توقظ في الشعب شعوره بضرورة اشتراكه في أمور السياسة الخارجية والداخلية؟

المربي: نعم، أعتقد ذلك، فالشعب قبل الحرب الماضية مثلاً ما كان ليعنى بالشئون الخارجية، أما الآن فالشعب جميعه يعنى بالسياسة الخارجية، ووزير الخارجية في البرلمان أكثر النواب حديثاً، وأكثرهم إجابة عن الأسئلة المتنوعة التي توجه إليه من كل حزب ومن كل صوب، ولا تسمع الآن في أحاديث الأسرة الإنجليزية إلا أخبار الحرب والسلم

أفلاطون: ولكن هل تظن أن لاهتمام الشعب بالسياسة الخارجية وتدخله فيها كما ذكرت أثراً في اعتدال هذه السياسة وتحسنها؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>