لو رأيتها يا رفيق. . .! لها غُرة الصبح الطالع، وابتسامة الأمل المشرق، وحياء الزنبقة البيضاء تحت عيون الزهر. . . لله هي يا بني! خارَ الله لك!
وقال رفيق: وددت لو رأيتها يا أمي!
ومطّت أمه شفتيها تنكر عليه، وقالت: وددتُ يا بني، ولو أنك رأيتها ما زادت في عينيك على ما أصف؛ ولكن، من أين لك؟ ما أرى أباها يسمح يا رفيق، ولو سمح أبوها ما أطاقت هي أن تتراءى لك. . . إنها. . .
وصمت رفيق وعاوده قلق الشباب، وراح يؤامر نفسه: كيف يطيق أن يقطع برأي في المرأة التي يهم أن يشركها في عمره وما رآها؟
ثم ثابت نفسه إلى الاطمئنان والرضا رويداً رويداً، وغلبه عقله على هواه؛ فقال لنفسه: ذلك أحب إلي؛ وإن يقيني بطهارتها لأطيبُ لنفسي من اليقين بجمالها؛ وهل رضيتُ أن أخطبها من وراء حجاب إلا زهادةً في الجمال المبذول لكل ناظر؟
وذهب رفيق يتقصى خبرها ويسأل من يعرف عما لا يعرف، وأتاه جواب ما سأل؛ ولم يبق إلا أن يراها ليُبرم أمره؛ وأي حرج في ذلك؟
وعادت أمه تسعى مسعاتها بينه وبين عروسه؛ ثم عادت تحمل إليه الإذن في أن يراها يوم يقدم لها هدية الخطبة
. . . لم ينقطع رفيق عن صحابته ولم يشغله أمره عن مجلسه وإياهم كل مساء؛ فما كانت له طاقة على فراق بائن إلى غير لقاء؛ وكذلك لم يهجر ما كان من عادته وإياهم حين يتحلقون حول المائدة المستديرة على الطوار، يتجاذبون الحديث أو يتبادلون الفكاهات، أو يُتبعون أعينهم كل غادية إلى عمل أو رائحة إلى ميعاد، أو يتداعون إلى سهرة حمراء في عُش من عشاش الحب المأجور إلى أن تشيب ذؤابة الليل!
كان يعلم أنه عما قليل مفارق هذه الحياة الصاخبة التي عاش فيها عمراً من عمره؛ فلا عليه أن يتزود لما يأتي من لياليه، لا يمنعه عن ذلك ما يشغله من أمر يعد له عدته ويهيئ أسبابه. . . وتوزّعته شئونه، فنهاره تأهب واستعداد، وليله ليلُ الهوى والشباب!
أرأيت إلى الصائم يتأهب لنهارٍ ظامئ جوعان بالمائدة الحافلة بأطايب الطعام والشراب؟