وراح يوماً لموعده فجلس يقص على صحابته من مغامراته:
(. . . وكنتُ وحدي إلى هذه المائدة أنتظر، وغاظني أنني بكّرت فلم أجد أحداً منكم آنس إليه، وتخايلت لعيني فتاة على مبعدة. . . ثم تجاوزتني ومضت؛ ومضيت في أثرها. . . . . .)
وتقصّف عليه أصحابه يستمعون إليه؛ فإنه لفارس هذا الميدان غير منازع، ومضى في قصته:
(. . . وقلت لها وهي جالسة إلى جانبي على الصخرة الناتئة والأمواج تحت أقدامنا تصفق على الشاطئ الغضبان: (إنك أول من أحببت. . .!) فنظرت إلي ساخرة وقالت: (صحيح. . .؟) ثم انفجرت إلي ساخرة ثم انفجرت ضاحكة. قلت:(وما يمنع. . .؟) قالت وتكاد تغص بضحكتها: (تلك كلمة ليست جديدة على أذني، كم مرة سمعتها قبل أن تلفظها شفتاك!)؛ وحدّقت في وجهي بعينين فيهما تصميم وإرادة، كأنما تتحداني لتبلو إرادتي، وزويت جبيني وتحوّلتُ ناحية أنظر إلى رشاش الماء يتواثب تحت أقدامنا وقلت:(ولكنك لن تسمعيها بعد، ولن أقولها!). . . ورحت أجمع طائفة من الحصى فأقذف بها الماء وأصابعي ترتعد؛ إذ لم يكن يعنيني إلا أن أثأر لكبريائي. . .
قال رفيق: وتخاذلتُ سريعاً حين رأت وجهي مصروفاً عنها؛ فدنت مني وهي تقول:(أنظر، أترى هذين الطائرين؟) ونظرتُ ونظرتْ، والتقت عينان بعينين، وشفتان بشفتين!. . . ثم. . .
. . . ودنا الموعد الذي حدّده رفيق ليلقى عروسه فيقدّم لها هدية الخطبة؛ وكأنما أحب أن يهيئ نفسه لهذا الحدث الجديد، فانقطع أياماً عن موعد أصحابه، ومضى يزوّر في نفسه الكلام الذي يلقى به خطيبته يوم يلقاها؛ أتراه كان يخشى أن يخونه بإزائها بيانه وخلابتُه وما عجز قبلها في مجلس فتاة قط؟ تُرى ماذا يقول الناس في هذا المقام؟ وتواردت على خاطره كلمات كثيرة، كلمات طالما جرى بها لسانه في مجالس الفتيات فكان لها في نفوسهن