فعل السحر؛ ولكنها جميعاً على لياقتها في هذا المقام وصدقها في التعبير عن حقيقة موضعها، لم ترُق له؛ كأنما كان ينزه لسانه في خطابها أن يلقاها بكلمة لم ينطقها قط إلا كاذباً ولم يلقَ بها قط فتاةً تستحق الاحترام!
وأعجزه القول حين وجد الحاجة إليه، إذ كان كل جديد في لغة الحب الصادق قد حال في لسانه عن معناه الحقيقي إلى معنى وضيع من معاني الخداع والغش والتغرير؛ فما ثمة إلا كلام بالٍ قد أخلقه التكرار، أو كلام ساقط قد نسخه الكذب وأحاله عن معناه. . .!
وضحك رفيق حين أحس من نفسه العجز عما يريد، وخطر بباله حديث الناس عن عجز المحبين عن التعبير حين يتراءى العاشقان وجهاً لوجه وتتناجى العيون! فسأل نفسه: أتراني عشقتها؟
ثم جاء الميعاد. . .
وسبق البشيرُ يؤذن بمقدمه؛ وجلست فتاةٌ تنتظر، وفي رأسها أخيلة تتراءى وفي قلبها أمل. . .
وقال رفيق لنفسه والسيارة تقله إلى هناك: ينبغي أن تكون هي أول من أحب؛ أليس كذلك. . .؟ بلى، ومن ذا يستحق الحب غير الفتاة التي أهم أن تشركني في عُمري؟
وقالت الفتاة لنفسها وهي جالسةٌ مجلسها تنتظر: نعم، ولمن تهب الفتاة قلبها غير الشاب الذي تشركه في عمره؟
ودق الجرس، ودخل رفيق تسبقه البشرى. وعلى الكرسي المذهب في صدر غرفة الاستقبال جلس ينتظر، وكان إلى جانبه كرسيٌ خال؛ ثم انفتح الباب ودخلتْ. . .
وتراءيا وجهاً لوجه، وعرفها وعرفته. . . وهم الفتى أن يقول:(أنت أول من. . .) ثم سكت؛ وتهيأت الفتاة لتقول، ثم سكتت. . .
ودوّى في أذنيه مثلُ هدير الموج يتواثب رشاشه إلى وجهه، ودوَّى في أذنيها؛ كمجلسهما هنالك في يومٍ قريب. . . وطأطأت الفتاة رأسها في خزي، وطأطأ الفتى رأسه؛ وثقل على الفتى والفتاة موقفهما، وأحسا مواقع النظرات تأخذهما من كل جانب، فمشيا صامتين إلى مجلسيهما؛ وتبادلا نظرةً أخيرة أغنتهما عن الكلام.
ولم تتحرك شفتاه بكلمة، ولكنها سمعته يهمس في أعماقها ساخراً:(أنت أول من أحببت!!)