لم أرزق من الغفلة ما أطمئن به إلى أني أعيش بلا خصوم وبلا أعداء، وكيف وحياتي كلها قامت فوق مخازن من البارود لو وقعت عليها شرارة واحدة من الخطأ لحولتني في مثل لمح البصر إلى رماد تذروه الرياح؟
فمن كان يريد أن ينتفع من تجارب الرجل الذي اكتوتْ يداه بنار الحياة الأدبية فليسمع هذا القول:
من الخطأ القبيح أن يعتمد الكاتب على ماضيه الجميل، وأن يتوهم أن القراء قد يذكرون حين يخطئ أن الحسنات يُذهبن السيئات، وأن الذي يُحلق ألف مرة قد يُغتفر له الإسفاف مرة أو مرتين
هيهات، هيهات، هيهات، فليس للقراء ذاكرة، وليس للقراء ميثاق
إنما يعرف القراء آخر مقال، فإن كان جيداً فالكاتب مجيد، وإن كان وسطاً فالكاتب ضعيف، وربما أضافوه إلى أهل الغثاثة والهزال
الكاتب يواجه ميدان السباق في كل وقت، وهو معرض في كل شوط للحكم له أو عليه. ولو كان الكاتب كالجواد لخف الأمر وهان، لأن السباق بين الجياد لا يحتاج فيه الحكم إلى ذكاء، فأغبى الناس يدرك بنظرة عابرة من السابق ومن المسبوق، ولا كذلك الحكم بين كاتب وكاتب، فهو يحتاج إلى ذوق وفطنة وذكاء، ولا يظفر الكاتب بقصب السبق إلا حين يكون له من اللوذعية ما يقهر به أهل الغرض واللجاجة والعتاد، وهو لا يصل إلى ذلك إلا بقوة قاهرة عاتية لا يفلح في صدها المكابرون إلا كما يفلح نجم الأرض في مسايرة نجم السماء
نحن أشقى الناس يا صديقي، لأن من حق كل مخلوق أن يحكم لنا أو علينا، وإن كان من مواليد العقد الثالث من القرن العشرين!
وحظنا يا صديقي حظ ممسوخ، لأنه معرض لانتقاص الممسوخين
وأعيذك أن تظن خيراً بسماحة الأقطاب من أهل البيان، فأولئك قوم يصعب عليهم أن تذكر بالجميل، لأنهم يتوهمون أنك تعتدي عليهم حين تقضي ليلك ونهارك في تزويد عقلك وذوقك بذخائر الأدب الرفيع.