شطرها في معالجة مرضاهم واكتفوا بمعالجة الأمراض العقلية. بالوسائل الطبية المعروفة لديهم أو بإرسال مرضاهم إلى مستشفى الأمراض العقلية
على أنه عند ما أشرف القرن التاسع عشر على الزوال قام الطبيب الشاب (فرويد) يتحدث عن كبت الغريزة الجنسية وإمكان شفاء الأمراض العصبية، معتمداً في ذلك على الأبحاث التي أجراها في داء الهستريا؛ وأخذ يقرر أن أكثر الأمراض العصبية - إن لم يكن كلها - ناتج عن ذلك الكبت. فثار به أساتذة الجامعة، ونصحه أصدقاؤه بأن يتحول عن هذه الأبحاث التي لا ترجى فائدة منها والتي تتناول مسألة دقيقة من الخير أن تظل طي الكتمان
على أن (فرويد) تجاوز عن هذا النصح وسار في أبحاثه إلى أقصى حد؛ فاصطدم بمعارضيه واحتدم الجدل بين الفريقين الذين تتمثل فيهما طريقتان متباينتان لا سبيل إلى التوفيق بينهما؛ يتمثل في أحدهما علم النفس في أسلوبه القديم يحده مثل أعلى قائم على تغلب العقل على الغريزة في الفرد المتمدين المثقف، ويتمثل في الفريق الآخر فكرة مستحدثة تقرر أن الغرائز لا تقهر، وأنه من العبث أن نفرض أنها إذا كبح جماحها اندحرت واختفت إلى غير رجعة، لأن أقصى ما نستطيعه إزالتها من العقل الواعي وكبتها في غير الواعي؛ فإذا تجمعت في أعماق النفس اختمرت وأحدثت قلقاً واضطرابياً في الأعصاب لا يلبث أن يتحول إلى داء عضال!
يقول فرويد: إن الشهوة بمعناها العام أول نسمة بتنفسها الفرد في حياته النفسية، فهي للنفس كالطعام للجسم، والنفس تصبوا أبداً للوصول إلى اللذة، وهو ما يسميه (ليبيدو) الذي أطلق عليه بعض كتابنا لفظة (اللبيد) ومعناها الطموح إلى اللذة رغم كل العقبات، وهو طموح يملي على الإنسان كل أعماله
ولم تكن غاية (اللبيد) واضحة حتى أكتشف فرويد أن معناه التفريج عن الغريزة الجنسية. على أنه قرر بعد ذلك أن القوى النفسية تتحول عن مراكزها، وأن اللبيد لا يقتصر على الصلات الجنسية لأنه يمثل قوة هوجاء تطلب الظهور والبروز، كوتر القوس المشدود المستعد أبداً لإنفاذ السهم، أو السيل الجارف الذي لا يدري أين مصبه، فقد يظهر اللبيد في الصلات الطبيعية، وقد يتحرر من قيود الجسم فيسمو إلى النفس ويظهر في مناطق رفيعة كالفنون الرفيعة أو الدين أو الفلسفة. وقد يصدف عن هذه الغاية أو تلك فيتيه في مجاهل