وقد تفرعت عن هذه الأبحاث نظريات عدة في شذوذ الأخلاق وتفصيله إلى مراتب ودرجات يضيق مجال البحث دون استيعابها
وجملة القول أنه يتضح من مذهب (فرويد) أن كل شهوات النفس الأمارة بالسوء، ونوازعها التي حاربتها الإنسانية بشتى الأسلحة الأخلاقية والثقافية لا تزال أصيلة في النفس، وأننا نحمل في دمنا غرائز عصور الهمجية الأولى حين لم يكن للقوانين والأخلاق وجود، وأننا مهما بذلنا من جهد في سبيل إبعاد الغرائز عن ميدان عمل العقل الواعي، فإن هذا العقل لا يستطيع أن يتخلص منها تماماً ولا غرابة إذا كثر نقاد هذه النظرية (المعادية للمدنية) كما قالوا، لأنها أقامت الغريزة الجنسية أساساً لسائر نواحي الحياة، وجعلت اللبيد قوة لا تقهر
يقول (ستيفان زويج) في كتابه القيم عن (فرويد) وهو الكتاب الذي اعتمدنا عليه في أكثر فصول هذا البحث: إن (فرويد) لم يقل إن نظريته عامة وإن اللبيد أو الغريزة الجنسية هما العاملان الوحيدان اللذان يحركان الفرد ويمليان عليه أعماله ومآتيه بل إنه قرر أن هناك غرائز أخرى تستولي على الفرد وتعمل في عقله الباطن مثل غريزة الموت وغريزة الذات ولكنه يؤخذ على (فرويد) أنه لم يسهب في شرح نظرية الغرائز الأخرى كما فعل في شرح غريزة اللذة، فجاءت مبهمة قلقة
ولاشك أن النقد الذي وجه إلى (فرويد) صحيح من حيث أنه بوأ غريزة اللذة مقاماً أسمى مما يجب وأبرزها كقوة لا تقهر وحط من قدر المدنية والشرائع ومقدرتهما على محاربتها