طلب الأديب (ع. ا. سعد) إلى الأستاذ ناجي الطنطاوي أن يفسر له البيتين:
(بذكر الله تزداد الذنوب ... وتحتجب البصائر والقلوب
وترك الذكر أفضل منه (حالاً) ... فأن الشمس ليس لها غروباً)
وقد مضى على طلب الأديب السوداني أسابيع ولم يستجب الأستاذ له، فكان لزاماً عليِّ أن أتقدم لشرح معناهما:
الشاعر يقول: بذكر الله تزداد الذنوب الخ. ويعني بذلك أن ذكر الله يوسع أفق المعرفة ويظهر عظمة الله وسطوته وفضله على أتم ما تكون، فيرى المرء ما كان يعده هيناً حقيراً من الذنوب حدثاً جللاً وأمراً عظيماً. . . وهذا يطرد مع قاعدتهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين. . . ثم أراد أن يعرج في الشطر الأخير على الذين يذكرون الله بألسنتهم، تاركين قلوبهم مغلفة وبصائرهم مطموسة. . .
وفي البيت الثاني أراد الشاعر أن يشير إلى صفة معروفة عند الصوفية تسمى (الحال). وقال الدكتور زكي في (التصوف) نقلاً عن (أبن عربي في اصطلاحاته)
الحال: هو ما يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب اهـ فهو يقول:
إن المرء إذا ترك الذكر المجتلب والحديث المصطنع عن الذات العلية، وأمعن في الهيام الحقيقي، والحب الرباني، كان ذلك خيراً له وأجدى عليه. (فإن الحال إذا تمكنت لم تفترق الروحان ص ٢٣٢ - التصوف)
ثم جاء الشطر الأخير تذييلاً لما قبله فقال: أن الشمس ليس لها غروب. وكذلك ذات الله تعالى لا تغيب ولا تحتجب ولا تفني ولا تحول، فلماذا إذن نذكرها؟ الواجب علينا أن نعبدها حق العباد، ونقدسها كل التقديس
وأدباء الصوفية هاموا باللغز والرمز. وما قول القائل:(معبودكم تحت قدمي) إلا من نوع (ما في الجبة غير الله). وهم يشيرون بمثل هذه الكلمات إلى مذهبهم في الحلول، وهو مذهب تحدث عنه المبارك في الصفحات ١٨٠ إلى الصفحات ٢١٠ وهو يتخلص في أن الله روح، والعالم جسمه