فليس من الضروري أن يملأ فراغها ويشتغل بما يشتغل به طلابها وهواتها، بل لعله يجمع منها مكتبة للمعرفة: كل سنوية منها بكتاب جامع لأشتات الطوائف والمقتبسات والأخبار
أما سنويات الأدباء والشعراء فهي المفكرات السنوية المألوفة التي تخصص منها صفحة أو أقل من صفحة لكل يوم من أيام العام، ولكنهم يجعلون للأديب أو الشاعر المشهور مفكرة باسمه يصدرونها بترجمته وفصل قيم لكاتب من كبار الكتاب في نقده والتعريف بخصائصه ومزايا شعره ونثره، ويقرنون كل صفحة ليوم من أيام السنة بصفحة من مختاراته تناسب الموعد أو تمت إليه، بسبب، وربما اشتملت الصفحة على فقرة واحدة أو بيت واحد، وربما اشتملت على أكثر من ذاك، حسب التفاوت في الحجم والموضوع
وقلما تتغير هذه المفكرات سنة بعد سنة، ولكن الطابعين المتعددين قد يصدرون مفكرات متعددة لشاعر واحد، وقد تكون المفكرة المفردة أو المفكرات المتعددة أوفي من أحسن المختارات التي تختار لذلك الشاعر، وأحظى بالقراءة والنظر من الكتب التي توضع على رفوفها ولا تحمل بالليل والنهار حيثما مضى صاحبها وكلما احتاج إلى النظر في مفكراته اليومية
وهنا معرض للعجب لا يفرغ منه المتعجب!
ففي الغرب حيث يستغني القراء عن التشويق والإغراء يوجد التشويق على أبرعه والإغراء على أشده
وفي الشرق حيث يحتاجون إلى جميع المشوقات والمغريات لا يوجد من يُغرى ولا من يُغرى، ولا يزالون على ما بهم من الجهل كأنهم أزهد الناس في الدرس والاطلاع
وليس هذا وحده بمعرض العجب في شؤون الكتابة والقراءة عندهم وعندنا
ففي الغرب حيث يظفر الكاتب بأحسن الجزاء من قرائه يعطيهم ما يعطي من ثمراته، ولا ترهقه الشروط، ولا تثقل عليه القيود، ولا يتمحلون له أسباب العيب والتجني والانتقاص. فليس في إنجلترا من يشترط على برنارد شو مثلاً أن يحلق لحيته، أو يقلع بدعة النباتية في طعامه، أو يدين في السياسة والاجتماع بمثل ما يدين به، أو ينهج في معيشته أو اعتقاده نهجاً غير الذي ارتضاء لنفسه
وفي الشرق حيث لا يغني الجزاء، ولو وفر القراء، ترى العالم القارئ أو جمهرة القراء