للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كأنهم الطفل الممعود، لا أكثر من شروطه، ولا أقل من زاده، ولا أعجب من مطالبه ومقترحاته: تعطيه الحلوى فيطلب الفاكهة، وتعطيه الفاكهة فيطلب الخبز واللحم، وتعطيه الخبز واللحم فيطلب المطبوخ إذا أعطيته الشواء، ويطلب الشواء إذا أعطيته المطبوخ، ويتحكم وهو في مطعم الصدقة، أو شبيه بمطعم الصدقة!! ثم لا هو بالآكل، ولا هو بالشاري، ولا هو بالملتمس العلاج لما عنده من ضعف القابلية قبل أن يلتمس العلاج للطاهي وأصناف الطعام

واسمع غرائب ما يطرق الآذان ويصك الأذهان: فهذا الكاتب لماذا لا يكتب في القصة، ولماذا لا يكتب في الدين، ولماذا لا يكتب في الفكاهة، ولماذا لا يكتب في هذه الصحيفة أو تلك المجلة؟. . . وهذا الكاتب لماذا لا يطلق لحيته، أو لماذا لا يقصها؟. . . وهذا الكاتب لماذا لا يعجب بفلان ولا يقلع عن الإعجاب بفلان؟ وهذا الكاتب لماذا لا يتوجه إلى جمهرة القراء قارئاً قارئاً ليعفر وجهه بتراب الاعتذار والاستغفار، ويعترف بما يسومونه من اعتراف أو ينكر ما يسومونه من إنكار؟

وخذها قاعدة لا ريب فيها أن الشروط عندنا تزيد بمقدار ما يقل الجزاء، وأن الجزاء عندهم يزيد بمقدار ما تقل الشروط

أليس هذا بعجيب؟

بلى. ولكنه عجب في الظاهر دون الحقيقة، وما من عجب صحيح في كثرة الطهاة حيث يكثر الآكلون، ولا من عجب صحيح في كثرة الافتنان والتسابق إلى الإتقان حيث يكثر الطهاة في مكان

فالغربيون يفتنون في الطبع والنشر والتشويق والترغيب لأن طهاة الأدب كثيرون، وآكلي الأدب كثيرون

وكذلك تقل الشروط عندهم لأن الطعام مطلوب هنا إن لم يطلب هناك، وسائغ في بعض الأذواق إن لم يسغ في غيرها من الأذواق

أما الطفل الممعود فكيف يعيش الطاهي إلى جانبه؟ وكيف يقلع عن الاقتراح والاشتراط وهو لا يأكل ولا يشتهي؟

لو أنه أكل لما اشترط واقترح

<<  <  ج:
ص:  >  >>