الواقع أن الزواج يبعث في النفس اطمئناناً وارتياحاً وهو يبعثهما في نفس المرأة أكثر مما يبعثهما في نفس الرجل، وكل فنان محتاج إلى الاطمئنان والارتياح كي يتفرغ لفنه ويجيد فيه، وإذا عدم الفنان الاطمئنان والراحة فهو مهدد دائما بأن ينعكس على فنه ذلك يتردد في نفسة، وهومهدد كذلك بأن يصطبغ فنه بلون معتم مظلم أسود هو لون اليأس والشقاء اللذين يعانيهما من قلقة. وكثيرا ما كان هذا القلق سببا في اندحار الفنانين وذبولهم، وكثيرا ما كان سببا في الانزلاق بهم إلى مهاوي الخبل يطلبون الاطمئنان عبثا في الخمر، والمخدرات، والمواخير.
والخمر والمخدرات والمواخير، لاشك في أنها تبعث اطمئناناً عارضاً وارتياحاً وقتياً في نفس الفنان، ولكن آثارها عندما تزول ان يصبح الفنان فإذا به يرى نفسه فارغة كما كانت قبل السكرة، وإذا به يرى نفسه وحيداً هائماً على وجهه لا يدري له مستقراً، ولا يعلم له هدفاً، فيعود إلى ما كان فيه، ويطلب السم الذي يطمئنه ويقتله في الوقت نفسه، ولا يطول به الزمن حتى تتلف صحته، وتتحطم أعصابه، ويخمد عقله، ويتبلط إحساسه، ويخبو من نفسه ذلك النور الذي يهديه ويلهمه، فيصبح في آخر الأمر إنساناً مسكيناً لا حياة له إلا الأوهام، فهو يحسب نفسه قادراً على الإنتاج لأنه يلمح أطيافاً من الفكر تجول في رأسه، ولكنه إذا أراد أن يحصرها، وأن يجندها وأن ينظمها، وأن يطلقها، إلى الدنيا فناً رآها تشق عصا الطاعة عليه، وتستعصي، وتلفت منه وتذوب في رأسه كأنها لم تكن. . . وإذا ابتلى فنان بحال كهذه فمآله الانهيار من غير شك فإما أن يموت كما مات سيد درويش وإما أن ينتحر كما انتحر إيفان مسجوكين، وإما أن ينطلق في الدنيا مشرداً مسكيناً إن عطف عليه الناس اليوم فسينبذونه غداً
والفنانون في الدنيا بأسرها ليسو غائبين عن هذه الحقيقة، كما أنه ليس في الدنيا إنسان غائباً عنها، فلماذا يعرض كثيرون من الفنانين والفنانات عن الزواج، ولماذا يجرؤ بعضهم على أن يدعو غيره إلى الإعراض عنه حتى أصبح هناك مذهب فاسد عشش في رؤوسهم أو في رؤوس بعضهم، واجتذب له أنصاراً يقولون بأن الزواج يعرقل الفن. . .
هناك سبب خفي لهذا وهو أن في الفنانين كثيراً من طبائع النساء، فهم أشد إحساساً من غيرهم من الرجال، ومن شدة إحساسهم هم أشد غيرة من غيرهم، ومن شدة إحساسهم هم