أقل حكمة من غيرهم. ولهذا كان مما يشبه الأمر العسير أن يجمع الرجل بين الفن والمرأة، لأنه من العسير أو من المستحيل أن تجمع بين المرأة والمرأة
وقد نتج من هذا أن كثيرين من الفنانين شذوا عن الحياة الطبيعية، وأصبحوا يطلبون الاطمئنان والارتياح في المغالطات والأوهام. وقد كانت هذه المغالطات وهذه الأوهام مواد لذيذة لكثير من الفنون استمتع بها الناس، ولكنهم كانوا وهم يستمتعون بها يشفقون على أصحابها ويقولون دائماً: يا لهؤلاء من أشقياء مساكين محرومين. . .
والعجب أن هذا لم يكن في يوم من الأيام محرضاً على نبذ هذه المغالطات وهذه الأوهام، وإنما كان دائماً محرضاً على الإقبال عليها، فكلما نشأ فنان صغير وأحس في نفسه شيئاً من الضعف حيال الحياة الطبيعية، وأدرك أن ضعفه هذا راجع إلى قوة إحساسه وحدة نفسه، لم يسرع إلى تنمية عقله التنمية التي توازنه، ولم يسرع إلى توطيد أخلاقه التوطيد الذي يحميه من الوقوع في اضطراب الشذوذ، وإنما طلبته صور هذا الشذوذ، وحسبها نوعاً من الحياة يمكن أن يعيش إلى جانب الحياة الطبيعية التي لا سبيل إلى الخلود إلا بها. . .
وهكذا ضعف كثيرون من الفنانين، وهكذا انهاروا، وهكذا أعقبوا فنوناً لا أنكر أنها لذيذة وإن كنت أسخط عليها وأمقتها مقتاً جد على نفسي ووجدته حقا
وإلى هؤلاء الفنانين أريد أن أوجه الحديث اليوم
فليتصوروا سلماً يصل ما بين الأرض والسماء، وأن الناس جميعاً مطالبون بأن يصعدوا هذا السلم، وليقولوا لي أي الناس أضمن وصولاً إلى قمة هذا السلم!
الإنسان الذي يقبض عليه برجليه ويديه وأسنانه ويصعد درجة درجة فما تفلت منه درجة، أم الإنسان الذي يقفز عليه برجليه فقط بينما يداه يلوح بهما في الهواء، وبينما يزعق بحنجرته مغنياً أو نادباً أو مهللاً؟. . .
لاشك في أن الأول أضمن وصولاً من الثاني، كما أنه لاشك في أن الثاني كلما قطع مع الأول مرحلة كان ذلك دليلاً على أنه أبرع منه وأقدر. . .
فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يكون هذا الثاني البارع القادر إذا استغل قواه جميعاً، واستخدم جوارحه جميعاً كما يفعل الأول؟. . .
لابد أنه يسبقه بمراحل، ولابد أنه يشعر بعد ذلك بدافع من نفسه يدفعه إلى مساعدة غيره