يروج في أيام الحروب هو الأغاني والأناشيد، فإن حكمها حكم الخطابة، لأنها تتردد بين الجماهير في الاجتماعات، ثم قال أستاذنا الجليل إن الملاحم في الأمم البائدة ليست هي التي شحذت تلك الأفكار التي نتج عنها تلك المنظومات الشعرية).
فهل يسمح الأستاذ الجليل أن أقول: كيف لا تكون الحروب شاحذة للملكات الشعرية في حين أن أستاذنا نفسه استشهد في ثنايا مقاله شعرية رائعة لشاعر إنجليزي، لو لم تكن الحرب لظل مغموراً في مهنته الطبية؟ فإذا كانت الحروب تخلق من الطبيب شاعراً، فكيف بالشاعر المطبوع؟
وهل يتفضل أستاذنا الجليل ويزيد الموضوع إيضاحاً في منظومات الملاحم؟ ولماذا لا تكون دليلاً على أن الحروب تشحذ ملكات الشعر في حين أنه لو لم تكن الحروب لما كانت تلك المنظومات؟
أجل، إن الشعر ينزر في أيام الحروب، ولعل السر في ذلك (ورأي أستاذنا القول الفصل) أن الأمم في أيام ثوراتها وحروبها تكون منهمكة بشئونها ما بين حاضرها ومستقبلها، ومضطربة الخواطر، جياشة بمختلف الأحاسيس، ليس لديها الصبر الكافي لقراءة الشعر والتروية فيه، فالخطيب يستهويها لأنه يستطيع أن يتخذ من الحوادث اليومية مجالاً لقوله وجلجلته، فهو لا يحتاج إلى ساعات يزور فيها خطبة، بل تأتيه الجمل عفو الخاطر، وقد تكون في أسلوبها عادية، ولكن موقفه الحماسي يجعل لها شأناً آخر، أما الشاعر فلابد له من سويعات يجمع أشتات فكره، ثم يدبج ببراعته صيحاته، فإن كان شاعراً حقاً عبقرياً استطاع أن يغتصب منبر الخطيب ويستأثر بالجماهير لترديد شعره وقراءته، كالشاعر الإنجليزي (كبلنج)، وإلا فهو بالطبع سيمنى بالفشل، ولعل هذا هو السر في أنه لا ينزل إلى ميدان الشعر في أيام الحروب إلا من وثق من نفسه أنه يستطيع بإلهامه وجودة شعره أن يستأثر بقلوب الجماهير ويحملهم على قراءة شعره
إذاً، فالحرب تشحذ ملكات الشعر وتجودها، غير أنها تمتاز بأنه لا يقوى على الظهور فيها والشيوع إلا الشعر العبقري الحق فحسب، وأنا في انتظار رأي الأستاذ الجليل والسلام