للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القرن السادس عشر الميلادي، أي قبل أن تتكون الدولة الألمانية الحديثة وقبل أن تظهر غلبة براين. وأخذت التوسكانية بإيطاليا تقهر اللهجات الإيطالية الأخرى منذ القرن الرابع عشر الميلادي، أي قبل أن تتكون الدولة الإيطالية الحديثة، وقبل أن يظهر سلطان روما؛ وذلك بفضل ما كان لكل من السكسونية والتوسكانية من إنتاج أدبي لا يذكر بجانبه إنتاج أخواتها التي اشتبكت معها في هذا الصراع

وفي كلتا الحالتين السابقتين يختلف الصراع في مدته وعنفه تبعاً لمبلغ قرب اللهجتين إحداها من الأخرى ومبلغ ثقافة المنطقة المغلوبة. فيطول أمده ويشتد عنفه كلما كثرت وجوه الخلف بين اللهجتين أو قلت ثقافة الناطقين باللهجة المقهورة. فلهجة مدريد لم تقو بعد على التغلب كثير اللهجات الأسبانية الأخرى ولا تزال إلى الآن تلقى مقاومة عنيفة من جانبها، وذلك لتفشي الجهل والأمية بين الناطقين بهذه اللهجات، ولهذا السبب نفسه لم يتم بعد للهجة القاهرة التغلب على لهجات المناطق المصرية المجاورة لها، وفي القسم الفرنسي اللغة من سويسرا لا تزال اللهجات المحلية تقاوم الفرنسية الفصحى في المناطق الكاثوليكية (فاليه، فريبورج , على حين أنه قد تم انقراض هذه اللهجات أو كاد في المناطق البروتستانتية (نيوشاتل جنيف) وذلك لأن المناطق البروتستانتية من هذا القسم أرقى ثقافة وعلماً من المناطق الكاثوليكية وأقدم منها عهاً بالمدارس، ولسان باريس قد تغلب بسهولة على اللهجات التي كانت منتشرة في إقليمي السين واللوار، لقلة وجوه الخلف بينه وبينها، على حين أنه لم يقو بعد على التغلب على لهجات جنوب فرنسا ولا يزال يلقى منها مقاومة عنيفة لكثرة الفروق التي تفصلها عنه

واللهجة التي يتاح لها التغلب في أمة ما على بقية أخواتها، أو على معظمها تصبح غالباً (لغة الدولة) أو ما يطلق عليه اسم (اللغة القومية) أو (اللغة الفصحى) أو (لغة الكتابة). فتعلم وحدها في مدارس الدولة، ويجري بها تدريس المواد المختلفة في معاهدها، وتؤلف بها الكتب والصحف والمجلات، وتصدر بها المكاتبات الرسمية وغيرها، وتستخدم في مختلف مناحي الوعظ والخطابة، وتلقى بها الأوامر ويجري بها التخاطب في الجيش، وهلم جراً. فقد ترتب على تغلب لهجة باريس على معظم أخواتها أن أصبحت لغة الدولة بفرنسا؛ وعليها وحدها يطلق الآن اسم اللغة الفرنسية. وهذا هو ما حدث عقب تغلب لهجة لندن

<<  <  ج:
ص:  >  >>