ويبدو هذا في تأثر لهجة القرى بلهجة المدنية التي تجاورها أو يكون بها مقر المديرية أو المركز، أو في تأثرها بلهجة البلد الذي يتخذ مقراً لنقطة البوليس أو للعمدة أو التي يقام فيها السوق الأسبوعي. . . وهلم جرا. ففي هذه الحالات وما إليها يقف التأثر عند حد اقتباس الكلمات والتراكيب وطرق استخدام المفردات في معانيها الحقيقية والمجازية. . . وما إلى ذلك. أما الأساليب الصوتية وطريقة النطق بالحروف والكلمات فتظل بمنجاة من التأثر والتحريف. ومن ثم نرى أن القرى المحيطة بقاعدة مديرية من مديريات القطر المصري قد تقتبس عنها كثيراً من ألفاظها وتراكيبها ومدلولات مفرداتها. . .، ولكن لهجاتها تظل سليمة فيما يتعلق بالأصوات، وطريقة النطق بالكلمات. فالقرى المصرية التي تقلب في لهجاتها القاف العربية (جافا) أي جيما غير معطشة (جلنا=قلنا) قد تجاور مثلاً مدينة تختلف عنها في هذا الأسلوب الصوتي (بأن تقلب فيها القاف العربية همزة: ألنا=قلنا)، فنقتبس عنها كثيراً من مفرداتها، ودلالاتها وأساليبها؛ ولكن تظل طريقتها الصوتية حيال القاف العربية بمأمن من التأثر بطريقة المدينة، اللهم إلا في الكلمات التي تقتبسها منها
أما إذا كانت الفوارق كبيرة بين أهل المنطقتين في ناحية من النواحي السابق ذكرها، فإن التأثر يكون عميقاً لدرجة تصل أحياناً إلى القضاء على اللهجة المغلوبة. ويحدث هذا في حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون إحدى المنطقتين خاضعة لسلطان المنطقة الأخرى، ففي هذه الحالة يكتب النصر للهجة المنطقة ذات السلطان، على شريطة ألا تقل عن المنطقة الأخرى حضارة وثقافة وآداباً. والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ القديم والحديث. فلهجة باريس حيث كان مقر الحكومة والسلطان، قد قضت على كثير من لهجات المقاطعات الفرنسية التي خضعت لنفوذ باريس؛ وكذلك فعلت لهجة لندن مع عدد كبير من اللهجات الإنجليزية الأخرى، ولهجة مدريد مع اللهجات الإسبانية، ولهجة روما في العصور القديمة مع أخواتها الإيطالية؛ ولهجة قريش قبيل الإسلام مع اللهجات المضرية الأخرى. . . وهلم جرا. . .
الحالة الثانية: أن تفوق إحدى المنطقتين المنطقة الأخرى في ثقافتها وحضارتها وآداب لغتها، ففي هذه الحالة يكتب النصر للهجتها وإن لم يكن لها سلطان سياسي على المنطقة الأخرى. ولذلك أخذت اللهجة السكسونية بألمانيا تطارد اللهجات الألمانية الأخرى منذ