للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمواطنيه

وزلزلت فلورندا ومادت برأسها الدنيا واحلولكت مرائيها

وضربت في الطريق إلى بروكسل تتقصص أثره وتتسقط خبره، بينما يصهرها الأسى ويفري أحشاءها العذاب، وشاطرتها الطبيعة الألم، فاربد وجه الجو وهطل المطر غزيراً كأنما فتحت ميازيب السماء

وكنت ترى في شوارع بروكسل فتاة ذاهبة العقل تمشي الهوينى مرتهكة الأوصال والناس يقتحمونها بأنظارهم مشفقين

ولم يجد قائد حامية بروكسل في مظهر الفتاة القروية ريبة فسمح لها بوداع (شقيقها) ألبير

ومشت فلورندا في ممرات السجن الرهيب تتلمس سبيلها كالعميان، ونزلت إلى قبو رطب تنفذ أشعة ضئيلة من كوة فيه، وكان ألبير يقبع هادئاً في ركن منه. . . وتبينته بعد لأي فرمت نفسها على صدره، وطوقت عنقه وراحت تقبله:

- أواه يا ألبير. . . ألا تنبئي. . . أنا الوالهة فلوراندا

وأرتج على ألبير. . . وشدهته زيارتها الطائرة وفاض صدره بالسعادة التي أقبلت عليه في غمرة همه. . . أي مفاجأة هذه. . . أو كانت تضمر له هذا الوجد وهو عنها لاه بالفتك بالألمان؟ قال:

- ولكن ذلك يحببني في الحياة يا فلورندا وقد نفضت يدي منها

ويغص فم الفتاة بالأنين والزفرات، وتخرج كلماتها كحشرجة المحتضر؛ وقد بح صوتها فلم يدرك منه ألبير إلا أنها مريضة مدنفة، وأن نبأ إعدامه دمرها فهي راغبة عن الحياة. . . قالت:

- إنني جد ظمأى يا ألبير

ولما قام ليأتي لها بماء أخرجت من ثنية في ذيل ثوبها ورقة بها مسحوق قاتم الزرقة، وفي غفلته وضعته في الكوب

وداعاً يا ألبير. . . والى اللقاء. . . في أطباق السماء. وبدأت تتسلل روحها وتهمد أنفاسها

وبدت في غفوتها الأدبية كطائر وسنان، وكأنما أزال الموت ما رسمه الهم على محياها اللاغب الوهنان؛ فأشرق وجهها وانتشرت عليه علائم الاطمئنان

<<  <  ج:
ص:  >  >>