سبب هذا الترك المتعمد، ثم هذه الترجمة البتراء، أنه جاء في توطئة (مفرق الطريق) أن مؤلفها يبعد الرمز عن التشبيه والكتابة ومختلف ضروب المجاز - وهو ما قصد إليه (ريبو) في الشطر الأول من الأسلوب الأول - وعلى ذلك فقد زين اعتساف النقد المغرض لمتولي أن يسقط من كلام (ريبو) ما لا يصح أن يكون عكازاً له!!
٤ - وهناك خلط آخر، والعجب ممنوع مقدماً. . .
وقف القارئ في عرضنا لمذهب (ريبو) على أن ريبو يدخل تحت (المخيلة السيالة) بعض التصورات الدينية وبعض ألوان الفن. ويشرح ريبو كيف تدخل هذه وتلك تحت المخيلة المذكورة. وقد عني بأن يفصل بينهما في السياق، فجاء كلامه على كل منهما قائماً بذاته (أنظر صفحة ١٦٦ - ١٧١) ثم إنه ضرب مثلاً على التصورات الدينية المخيلة الهندية التي تعمل عن طريق الرمز فتمثل الآلهة بعدة أرؤس وأذرع وأرجل لتدل على الفطنة والعزة اللتين لا حد لهما.
وهذا الأسلوب في التمثيل والتعبير معروف، وهو الرمز بشيء إلى شيء آخر، وهو أولي فطري، ولا صلة - من حيث الجوهر - بالرمزية في الأدب (والتصوير)، وهي الرمزية التي ضربها ريبو مثلاً على بعض ألوان الفن كما مر بالقارئ. وقد شرح ريبو هذه الرمزية، وبين أغراضها وطرائقها على حسب مظهرها ومخبرها قبل عام ١٩٠٠، فدل على أنها تقصد إلى الإيحاء فتبسط الإبهام على الأشخاص والأشياء حتى إنها تطلقها من قيود الزمان والمكان، وربما لم يعين الأشخاص بأسماء فيقال:(هو) و (هي). . . (ص١٦٩)
ذلك مجمل حديث (ريبو). . . أفيدري القارئ ماذا صنع السيد متولي؟ خلط رمزية المخيلة الهندية - وهي من باب الرمز بشيء حسي إلى معنوي - بالرمزية في الأدب التي تطلب الإيحاء من باب بسط الإبهام!! ودليل ذلك أنه أستشهد بهذه وبتلك، وهو يتكلم على ما يسميه (الرمزية في الفن) عند ريبو فجعل مصدرها واحداً، أي (فن الرمزيين) ليأخذ على صاحب المسرحية أنه الرمزية في توطئته تعدل عن الرمز بشيء إلى شيء آخر، إلى (استنباط ما وراء الحس من المحسوس وإبراز المضمر وتدوين اللوامع والبواده)!!