في كل أمر جديد إذا اقتنعنا بأننا أفراداً أو جماعة لا يمكن أن يغرر بنا أو نساق سوق البهائم ما دمنا مدفوعين برأي وعقيدة!
لكن هناك مسألة أراها جديرة بالذكر والتعقيب تلك المسألة هي خوف بعض الناس على (ثقافتنا التقليدية) أن تطغى عليها تيارات أخرى غريبة عنا في وسط لا تتكافأ فيه عناصر المحور الثلاثي، ومع احترامي لهذا الرأي فلست أرى وجهاً لهذا التخوف للسبب الآتي:
تقوم دعائم الثقافة السودانية على أسس عربية إسلامية وهذا هو الوضع الطبيعي لبناء الثقافة في قطر كالسودان يدين بالإسلام ويمت إلى العروبة بوشائج الدم والرحم - والإسلام كما يعرف الناس جميعاً هو عقيدة وحضارة معاً ولا يمكن لأي حضارة أخرى مهما بلغ سلطانها واجتمع نفوذها أن تطغى معالم الحضارة الإسلامية - والثقافة في رأينا تمثل جوانب عامة من النواحي العقلية والنفسية وأساليب العيش والتفكير التي تفرضها عادة الحضارة على الناس
ولست أريد هنا أن أتعرض لمن يتوهمون بأن السودانيين والشرقيين عامة يمكن أن يتخذوا الثقافة الغربية ثقافة عالمية تشمل الشرق والغرب وتقرب أوجه النظر بين الشعوب والأجناس المختلفة، ذلك وهم ساد بعض العقول فظنت أنه حقيقة وأنكرت ميراث الناس واختلاف بيئاتهم ونزعات عقولهم ومناط تفكيرهم وما لهذه العوامل من الأثر الفعال في خلق الثقافة العامة وتوجيهها في الطريق الطبيعي الذي تسلكه
إن ثقافة هذا الشعب عربية إسلامية، وهذه الثقافة قد كتب لها البقاء والتغلب لأن من خصائصها أنها تأخذ وتعطي في وقت معاً فهي لا تأبى الأساليب الجديدة والأفكار والمبتكرات والاتجاهات بل تأخذ هذه كلها ثم تصهرها في قوالبها الخاصة وتزيل عنها عوامل الضعف والفساد مما لا يتمشى مع روحها العام ثم تعيدها مرة ثانية وهي حرة خالصة عميمة النفع سليمة الأصل.
لهذا لا خوف على (ثقافتنا التقليدية) من هذا الاختلاط ما دمنا مدفوعين بعقيدة، وهذه العقيدة هي أننا أبناء أمة ناشئة تريد أن تبني مجدها على ميراثها العربي الإسلامي، وأن لا تتخلى عن مثقال ذرة من هذا الميراث الذي يأخذ ويعطي بطريقته الخاصة، والذي غالب الزمن فغلبه، وما زال حياً باقياً وسيظل كذلك ما دامت في الدنيا حياة