للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حول تفسير بيتين

قرأت في الرسالة الغراء أن الأستاذ السعيد جمعة رأى لزاماً عليه أن يتقدم لتفسير هذين البيتين

بذكر الله تزدادُ الذنوب ... وتحتجب البصائر والقلوب

وترك الذكر أفضل منه (حالاً) ... فإن الشمس ليس لها غروب

والتفسير الذي تقدم به مقطوع الاتصال بالمعنى المطلوب. والذي أراه أن لرجال التصوف نظرات عكسية تقلب الحقائق المعلومة إلى حقائق أخرى عليا لا يدركها غير أهلها. فالشاعر يشير إلى علمه بعيوب بشريته ومساقط نفسه ويرى أن مقام العزة الإلهية أجل وأعلى وأرفع من أن يتلوث بذكر لسان غير منزه عن فحش القول ويرى أن جرأته على ذكر العظمة القدسية وهو في دائرة عيوبه النفسية ذنب، وهذا المعنى العكسي ينبعث من مقام تنزيه الألوهية عن الحاجة إلى التنزيه

أما الشطر الثاني فليس المراد به ذكر اللسان الذي يترك القلوب مطموسة والبصائر مغلقة. وإنما المراد به وصف (الحال) في أرفع مقامات الشهود حيث يكون الذكر نفسه حجاباً للذاكر عن مذكورة.

وهذا ما يشير إليه في البيت الثاني بأنه راسخ القدم في (الحال) الشهود الرفيع الشأن كما تشهد الشمس عياناً فتستغني بشهود ذاتها عن ذكر أسمها. وهو في مقام شهوده لا يشهد في ذاته غير أنه عين شمس الوجود فشمسه ليس لها غروب. ويشير الأستاذ السعيد جمعه إلى هيام رجال التصوف باللغز والرمز وأنهم يشيرون بمثل قولهم (معبودكم تحت قدمي) و (ما في الجبة غير الله) إلى مذهبهم في الحلول. وما هي حيلتنا مع من يتهمنا بما لا يعلم. فأهل الحقيقة ليس لهم مذهب يسمى (الحلول) لأن (الحلول) يستلزم الظرفية بقولك (حل في كذا) وهذه الظرفية باطلة فلا يشهدون في الوجود غير الله إذ لا غيرية ولا أثنينية، فهو الله الظاهر والباطن إلّه واحد لو كنتم تعلمون.

أحمد فهمي الباجوري

جريدة الواجب في عامها الخامس عشر

<<  <  ج:
ص:  >  >>