لما صارت إليه، إذ كانت لم تشعر قبل بما كانت فيه؛ وتناولت الحياة كما عرضت لها. . .
وراحت سمية وأخوها يسعيان لرزقهما في رضاً واطمئنان، كما يسعى كل ساعٍ إلى رزقه في غير تبرم ولا سخط؛ ووجد أخوها عملاً في مصرف من مصارف المال يضمن له الكفاف؟ واستخدمتها شركة المبيعات الوطنية كاتبة حاسبة لقاء أجرٍ معلوم يقوم بحاجتها ويفضل؛ وزادها شعورها بأنها كاسبة مأجورة - وإنها لفتاة - زهواً وسعادة واعتداداً بنفسها. ولم يكن هيناً أن تجد فتاة مثل سمية عملاً ففي مثل الشركة التي استخدمتها؛ لولا أنها ابنة أبيها وأنه كان، وكانت له على شركة المبيعات الوطنية أياد تتقضيها الوفاء، فاستخدمت سمية عطفاً عليها وعرفاناً بأيادي أبيها، ولكنها لم تكن تدري، وكان أكثر من تعرف عطفاً عليها وتشجيعاً لها المدير الشاب (شفيق)
. . . إن غداً يوم العيد؛ هذه أسراب الفتيات يزحمن الطريق ويملأ السيارات العامة ومراكب الترام، رائحات غاديات من متجر إلى متجر ينتقين ثياب العيد؛ وهذه أفواج الشباب يخطرون في مرح ونشوة على أرصفة الشوارع وعلى أبواب المتاجر يتأهبون لاستقبال العيد؛ وهؤلاء آباء وأمهات، وصبيان وبنات، في عيونهم نظرات البشر، وعلى قسماتهم آيات المسرة؛ وسمية بين هؤلاء وأولئك لا تلقى بالاً إلى أحد منهم، مُسرعة عجلى إلى مثواه حيث تتوقع أن تلقى أخاها في انتظارها لموعده على الغداء. . .
لقد أوشك شهر أن ينتهي ولم تجلس معه مرة واحدة إلى المائدة، فإن مواقيتهما لمختلفة، وإن عملها في المكتب ليقتضيها أن ترابط هناك كل ليلة إلى لمساء؛ فلا تلقى أخاها إلا رائحاً إلى فراشه، أو غادياً على عمله في الصباح وهو عجلان؛ ولكن غداً يوم العيد؛ فما أحرى أن تفرغ له قليلاً ويفرغ لها وأن تعد له المائدة التي يشتهيهاً، وأن يجلس إليها ساعة وتجلس إليه!
وهيأت سمية المائدة وجلست تنتظر، وأُذنها إلى كل خفقهِ نعل على سُلم الدار تترقب مطلعه. . . وسرحتْ عينيها على المائدة بين ألوان الطعام فاستشعرت الرضا؛ إنها لمائدة حافلة؛ ولكن أين أخوها؟ إنه لم يحضر بعدُ وقد مضى على موعده ساعة. . . وسمعتُ طرقاً على الباب فخفتُ إليه؛ وكان الطارق ساعي المصرف يُؤذنها أن أخاها لن يحضر لموعده، لآن عمله هناك يشغله اليوم عن مشاركتها في مائدة العيد!