وراح شفيق لموعده صبيحة يوم العيد؛ وخرجا معاً يرودان مغاني الشباب ومجالي الأنس والمسرة ذراعاً إلى ذراع، وفي كل قلب حديثه ونجواه. . .
عاطفتان من أسمى ما غرس الله في قلوب البشر؛ أما قلبُ فيخفق بالحب وسعادة الآمل؛ وأما قلب آخر فتغمره سعادة الرضا وتملؤه عاطفة أسمى وأنبل؛ وأن في الحياة لما هو أسمى من الحب وأنبل. . .
وشعر كلاهما أن الله يظلهما بجناحي رحمته حين تحققت لكل منهما أمنيته. . .
ومضت الأيام بها وبه سعيدين لا يكاد يشغلهما عن أمرهما شيء؛ والشباب يجدد لسمية كل يوم مناها ويوقظ أحلامها وهي نائمة؛ ثم استيقظت فجأة. . .
وغدا عليها شفيق ذات صباح ينبئها. . .
. . . كانت سمية قد ذاقت في أيام قلائل من ألوان السعادة ما لم تتوقع أن يتهيأ لها في عمر مديد، ونالت - بمعونة صديقها - حظوة ورياسة في العمل الذي تتولاه لا تتسنى لمثلها بعد سنين من المثابرة والدأب، وزاد أجرها زيادة مرموقة تهيئ لمثلها العيش الرغد في أمان وثقة بالمستقبل؛ ولكن الغد السعيد الذي كان يتخايل لها في أحلامها ويقظتها، وتتنوره على البعد قريباً قريباً دون مد ذراع - كان يشغلها عن الشعور بما هي فيه؛ فلم تكن من كانت، فتاه تعيش ليومها بلا ماض تأسى عليه ولا أمل تتشوق إليه؛ وهل يعيش العاشق إلا في أحد يوميه: أمسه وغده؟. . . ولكن هذا الغد الذي كانت تتوهم أنها تنظر إليه - حين تنظر - من وراء ستر رقيق، لم يكن إلا صورة في إطار ليس وراءه إلا الحائط الصلب، على حين كانت تظن أنها بالغة إليه بين صبح ومساء؛ ومدت يدها تهتك الستر لترى، فإذا الإطار الذي يمسك الصورة الخادعة يردها إلى حقيقة دنياها فيوقظها من أحلامها. . .
. . . وقال لها شفيق: أنت مدعوه غداً يا صديقتي إلى حفل زفافي. . .! وفغرت الفتاة فاها مدهوشة وهتفت:(حفل زفافك!)
إذن فهو لم يكن يحبها، ففيم كانت هذه العناية بها؟. . . وعرفت بعد لأي، فسكتت؛ ثم خلت إلى نفسها فأرسلتْ عينيها أسفاً وندامة!
نعم، إنها لم تخسر شيئاً، ولكنها فقدت الأمل الذي عاشت له أياماً من حياتها كانت كفيلة بأن