للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وصلاحها. لأن التربية المحدودة تجعل الفرد يخدع نفسه بنفسه، ويظن أن المعارف أمر سهل المنال، وأن أبوابها مفتحة لكل من قرأ كتاباً أو سمع محاضرة

وهذا ينطبق أيضاً على الديمقراطية عندكم. فإنني أخشى أن تكون هي الدكتاتورية التي تكرهونها، ولكن في ثوب الديمقراطية، فيخدع العامة بما يقول مروجوها

وفي ظني أن قادة الرأي عندكم ليسوا أحراراً أيضاً فيما يقولون ويفعلون فمحررو الصحف، وواضعو الأفلام، والخطباء، ورجال السياسة، والناشرون، كل أولئك ليسوا أحراراً يعملون ما يشاءون، ولكنهم خاضعون لميول العامة وذوقهم، حريصون أن يقدموا لهم ما تستسيغ حلوقهم

المربي: لقد تحقق ظني فيك، فقد حسبتك فاشستياً من طليعة حديثك. والآن أصبح الحسبان، يقيناً فأنت لا حرمة عندك للجماعة البشرية، وليس في قلبك حدب عليها ولا حب لها. أنت تريد أن تسيطر على كل فرد، وأن تجعله يعتقد ما تعتقد. وإنني أؤكد لك من الآن أنك لن تجد من يعطف عليك في بلادنا ولا من يشاركك الرأي

أفلاطون: أن ما تقول لجائز، ولكن أعلم أني غير راغب في إخفاء الحق رغبة مني في عطف أهل بلادك على، ومع هذا لا أعتقد أنهم سيكرهونني كما تفكر، إنهم أعقل مما تظن

المربي: إن ما أستطيع استنباطه من حديثك هذا هو أنك تريدنا أن نرجع إلى الوراء، إلى الزمن القديم، زمن جهالة العامة وحكم طبقة الأقلية الخاصة، زمن مدارس أولاد الأعيان

أفلاطون: كلا. أنا لا أريدكم أن ترجعوا إلى الوراء، وإلى الزمن القديم. لأن الرجوع للوراء مستحيل، ولكني أحب أن أذكرك أنه ليس من الضروري أن يكون القديم فاسداً والجديد صالحاً، فقديماً - وقبل الحكم الديقراطي، وقبل التعليم العام - كان شعبكم مكوناً من طبقتين: طبقة الأرستقراط، وطبقة العامة. ولم يكن ثمت ضير. وكان العامة صناعاً وعمالاً وزراعاً وكانوا مسرورين راضين بأعمالهم ومنهم، قادرين عليها وكانوا سعداء قانعين بحياتهم، بالرغم من أنهم لم يتمتعوا بنظام التربية العامة الحالي. وقد تركوا شئون الدولة للأعيان والأرستقراط، وكانوا يؤمنون بالتعليم، الديني، وكل ما يتعلق بالفضيلة والخطيئة والحياة الآخرة، وهل لي أن أذكرك أيضاً أن ذلك الزمن القديم هو الذي بنت فيه بريطانيا إمبراطوريتها، وأنتجت النابغين من رجال الفن ورجال الأدب الذين يحق لها أن تفخر بهم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>