من أن يحصرها عد؛ ثم يمسك البك قليلاً ويعود فيقسم بحياة أبيه وقد تصنع الغضب أنه لولا ابتغاء وجه الله لما رضى بأن يسود وجهه من أجل الناس على مثل تلك الحال الأليمة
وتعلق منظاري بمرآه فما يكاد يتحول عنه؛ وذكرت ما ترامى إلي قبل من أنبائه وصدقت ما كنت أحمله قبل رؤيته على المبالغة؛ فهذا الرجل جدير حقاً أن يذهب بنفسه، كما علمت وقد توسلت به بغي معروفة، فيرجو لها من بيدهم الأمر ألا يحول الشرطة بينها وبين ما تأتيه من الفجور في أحد الموالد، لا لشيء إلا ليثبت جاهه في ساحة المولد. . . وهذا الرجل جدير بأن يوهم أغرار الناس بأنه قادر حتى على أن يحول بينهم وبين العدالة، وإلا فكيف ذهب يتوسل إليه، كما قد علمت علماً لا يداخله شك، من كانت تهمتهم جريمة القتل؟ وهذا الرجل جدير حقاً بأن يفهم كل من له به صلة بأن جاهه لا يقف عند الخفراء والفراشين وإنما يتعدى هؤلاء إلى العمد وإلى من هم أكبر خطراً من العمد من جماعة الموظفين. . . وهذا الرجل جدير بأن يحتجز سيارات النقل عند مدخل قنطرة على حدود قريته فلا تمر إلا أن تدفع قدراً معيناً من المال، وأخيراً هذا الرجل جدير بأن يصب نقمته على من يشاء وأن يختص بنعمته من يشاء، وله في مجال النقم حديث طويل أراه نقمة بالغة أن أوذي به أنفس القراء
أما زرعه إذا حان وقت الزرع وأما حصاده إذا أراد الحصاد فحدث عنهما ولا حرج، فأهل قريته جميعاً لا يسألونه على جهودهم أجراً إلا الرضاء. . . على أن حظه من الزرع والحصاد لا يتطلب عظيم مشقة لقلة ما يمتلك من الأرض إلا إذا شاء له جاهه فأستجر أرضاً من أصحابها وزرعها في نظير أجر لا يحظى بمثله غيره من الناس
وحمدت الله أن لم تقع علي عين البك فلقد كنت منه كالجن أراه من حيث لا يراني، فما لي طاقة بأن أتلقى منه نظرات الكبرياء والاحتقار التي رأيته يشيع بها كل فرد ممن يسميهم المتعلمين سواء من سلم عليه منهم أو من أعرض عنه، وكان لا يفوته أن يسأل عمن يعرض عنه ثم يذكر آباءهم متسائلا ً - وإنه ليعلم - تساؤل الساخر المستطيل، وهو يرد إلى هذا الصنف ممن يسمون المتعلمين في القرى كل أسباب الفساد والرذيلة، ولست أدري ماذا كان عسياً أن يحدث بيني وبينه إذا أخذتني عيناه فنظر إلي وهو لا يعرفني هاتيك النظرات؟ على أنه لم يفطن إلى مكاني وكفى الله المؤمنين القتال!