وأرسل البك في طلب سيارة فحضرت، ووقف السائق حتى نهض البك للركوب فخف به جلساؤه، ونادى أحد الندل ووضع يده في جيبه، ولكن الندل أسرع قائلاً:(الحساب خالص يا سعادة البك) وأشار إلى أحد الحاضرين وتظاهر هذا بالحياء وشكره البك واتخذ مكانه في السيارة بعد أن سلم على مودعيه، وركب معه من يستصحبهم من أهل قريته
وانطلقت السيارة تحمل ذلك الوجيه العظيم ومن عجيب أمره أنه على عظمته التي رأيت لا يملك سيارة ولكن كل سيارة في هذه الجهة ملك له، فهي جميعاً رهن إشارته، ولن يعدم أن يجد (الحساب خالص) إذا أتخذ إحداها على يد رجل ممن يصحبونه وهو غالباً لا يتخذ سيارة إلا إذا أحضرها له صاحب حاجة يرجو قضاءها على يديه؛ فإن أتخذ سيارة في أمر خاص به وركبها وحده فهو لا يمسك الأجر عن صاحبها إلا إذا سهى، وقليلاً ما يسهو لأنه قل أن يتخذ سيارة وحده
وبعد، فأمثال هذا العظيم في الريف غير قليلين، ولكنا نقول على رغم ذلك: إننا في عهد العرفان والنور، وليت شعري إذا كان هذا عهد النور، فكيف كانت الحال في عهد الظلام، وكيف تكون حالنا غداً إذا نحن أغمضنا العيون عما يشين، ولم نتلمس السبل للخلاص منه؟