للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليك فيه صوراً جميلة أو دميمة، وأثير في نفسك به عواطف هادئة أو جامحة، وأرسم على وجهك به ابتساما وضحكا، أو عبوساً وتقطيباً، حتى إذا بلغت من هذا كله ما تريد أنت، أو ما أريد أنا، أو ما نريد جميعاً، ذكرت النقد والطربوش وزجاج النافذة. واعتقدت أنا أو خيلت إليك إني أعتقد، واعتقدت أنت أو خليت إلى انك اعتقدت، واعتقد صديقي الأستاذ المازني، أو خيل إلى نفسه والينا أنه يعتقد، أني قد أمتعت الرسالة وقراء الرسالة بفصل قيم أو غير قيم، قوامه الحديث عن النقد والطربوش وزجاج النافذة!.

وتسألني ما بال الأستاذ المازني يقحم هنا إقحاما، وما خطبه مع النقد او الطربوش وزجاج النافذة ومرق الفول النابت، وماء المخلل، وما يتبع هذا كله من الأشياء والأحياء؟ فأجيبك بأن هذا السؤال لا ينبغي أن يساق إليّ، وإنما ينبغي أن يساق إلى الأستاذ المازني، فهو الذي تحدث عن هذا كله، وهو الذي أثارني إلى أن أتحدث عن هذا كله، وليس من شك في أن الأستاذ المازني سيقول في دعابته الحلوة الظريفة، وما أنت وجر الشكل، وما لك تدخل بيني وبين النقد والطربوش وزجاج النافذة، وما يتصل بها من الملحقات؟. ولكن الأستاذ يوافقني أو لا يوافقني - فهذا سواء - على أنه صاحب فن، وعلى أن أصحاب الفن إن كتبوا لأنفسهم فهم ينشرون للناس، وعلى ان صاحب الفن لا يملك أثره الفني بعد أن يلقيه إلى الناس. وعلى أن من حق الناس إذا ألقى إليهم شيء أن يتناوله كما يحبون، يعجبون به أو يسخطون عليه، يرغبون فيه أو ينصرفون عنه، يحمدونه أو يسلطون عليه اللوم.

وإذن فقد ألقى إلينا الأستاذ المازني فصله الممتع البديع الذي أثارني إلى أن أتحدث إليك عن النقد والطربوش وزجاج النافذة، أو إلى أن أتحدث إليك عن الأستاذ المازني نفسه من وراء هذه الأشياء التي لا تحصى، والتي لا أكره تكرارها، وما أظنك تكره تكرارها، وهي النقد والطربوش وزجاج النافذة والأزقة وما يتراكم على أرضها من الوحل، وما تصبه سماؤها من السائل والجامد، ومن يمشي بين ذلك من الأشرار والأخيار.

وللأستاذ المازني مع هذه الأشياء كلها، ومع هؤلاء الناس كلهم، ومعك أنت، ومعي أنا، قصة طريفة ظريفة، خليقة أن تقص، وخليقة أن تثير الإعجاب. فهل تدري ماذا دفع الأستاذ المازني إلى أن يتحدث عن هذه الأشياء، وعن هؤلاء الأشخاص، فيثيرني إلى أن أتحدث عنه، وعنها، وعنهم؟ هو شيء يسير، يسير جداً، هو أنه أديب يقرأ في الكتب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>