وعند نهاية المقابر وجدت أجداثاً قديمة تكاد الأرض تعلوها وقد بلي ما عليها من الصلبان والأحجار وامتنع زوارها، وعند هذه الأجداث وجدت أشجاراً كثيفة وحديقة صغيرة جميلة تبعث الحزن لأن أعوادها تستمد الغذاء من لحوم الموتى
ولم يكن في هذا المكان أحد غيري فاختبأت وراء شجرة كثيفة متشبثاً بالثمامة كما يفعل الغرقى
ولما أشتد ظلام الليل تركت مكاني ومشيت بخفة وبطء حريصاً على ألا يسمعني أحد وإن كان المكان خالياً إلا من الموتى؛ وظللت أمشي مسافة طويلة ولكنني لم أهتد إلى قبرها فبسطت يدي وصرت أتلمس بها كل قبر فلم أهتد إليه. وكنت أمشي كما يمشي العميان فعثرت مراراً بقطع من الصلبان والأحجار والحدائد وبأسلاك معدنية كانت في وقت من الأوقات تلتف حولها أزاهر الأكاليل، وصرت أقرأ أسماء الموتى المنقوشة على قبورهم. فما هذه الليلة؟ ما هذه الليلة الرهيبة! لقد كادت تنقضي ولم أهتدي إلى القبر
ولم يكن في السماء قمر ولا نجوم وكنت خائفاً في هذه الممرات الضيقة بين صفوف القبور. . . القبور القبور، ولا شيء غير القبور. . .! عن يميني وعن يساري وأمامي وحولي قبور. . . جلست على أحدها لأني لم أعد أستطيع موالاة السير، وكنت اسمع دقات قلبي، وكنت أسمع صوتاً آخر يشبه ذلك الصوت. . . ما هو؟ جلبة ضعيفة قد اختلطت فيها الأصوات، فهل كانت في رأسي من التعب أم كانت تحت التراب الممتلئ بالرمم؟
نظرت حولي ولكنني لم أتبين كم ساعة قضيت. وكنت كالمشلول من كثرة الخوف والانزعاج، وكدت أصرخ، بل كدت أموت
ثم تخيلت فجأة أن قطعة الرخام التي جلست فوقها قد بدأت تتحرك، وانتقلت منها إلى التي يجنبها، ورأيت القبر الذي تركته قد أنفتح وظهر الميت الذي كان به ولم يكن غير عظام عارية من اللحم وكان هو الذي يدفع غطاء قبره ليفتحه
نظرت إلى السم المنقوش على القبر فرأيت هذه الكتابة:(هنا جاك أوليفانت الذي مات في الحادية والخمسين، وكان محباً لأسرته رحيما شريفاً)
وقرأ الميت أيضاً هذه الجملة، ثم أخذ من العظم قطعة حديدة الطرف، وصار يمحو هذا النقش بعناية حتى طمسه ونظر بثقبي عينيه الأجوفين، وكتب بقطعة العظم الباقية بين