المصري القديم إلا في سنة ١٩٢٤، فماذا صنع في هذه الأعوام القصار ليكون من أقطاب المؤلفين في ذلك التاريخ؟
عمد الرجل إلى طائفة من المعضلات الأساسية فدرسها بتعمق واستقصاء، ثم خرج من ذلك الدرس بمحصول يحسده عليه الأخصائيون، وقد تمر أعوام وأعوام قبل أن تظفر اللغة العربية بكتاب يضارع كتابه في دقة العبارة ونفاسة الاستطراد.
حشو اللوزينج
وحشو اللوزينج في تعبير كتاب القرن الرابع يُضرب مثلاً للشيء يكون حشوه أجود من قشره، ومن أشهره قول عوف بن محلم:
إن الثمانين - وبُلِّغتَها!! - ... قد أحوجتْ سمعي إلى ترجمان
فعبارة (وبلغها!!) حشو، ولكنها أجمل من المحشو، لأنها غاية في الرفق والحنان.
وكذلك ينقسم كتاب عبد القادر حمزة إلى حشو ومحشو، فالحشو هو الهامش، والمحشو هو الأصل، ولم أجد كتاباً يكون فيه الهامش أغزر من الأصل قبل أن أعرف كتاب عبد القادر الذي أغرم بحشو اللوزنيج بعد التفات النقاد إليه بعشرة قرون
فأرجو الطلبة أن يلتفتوا إلى هامش هذا الكتاب أكثر من التفاتهم إلى الأصل، لأن عبد القادر جرى في الهوامش على فطرته الأصلية من التعقب والاستقصاء فأتى بالأعاجيب.
وهل برع عبد القادر إلا في الهوامش؟
إن هذا الرجل يحارب بالأخبار المنثورة أعنف مما يحارب بالمقالات الطوال، وهو قد نقل أسلوبه في الصحافة إلى أسلوبه في التأليف، فليراع الطلبة هذا الفن الدقيق.
شاهد
قلت إن عبد القادر يصل إلى غرضه بترفق وتلطف، فما شواهد ذلك؟
إليكم الشاهد الأول:
قال أبن عبد الحكم: (لما فتح عمرو بن العاص مصر أتى أهلها إليه حين دخل بؤونة. فقالوا: أيها الأمير! أن لنيلنا سنة لا يجري إلا بها. فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها