للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل. فقال لهم عمرو: هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله. فأقاموا بؤونه وأبيب ومسرى وهو لا يجري قليلاً ولا كثيراً، حتى هموا بالجلاء، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك. فكتب إليه عمر: (أن قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في النيل إذا أتاك كتابي) فلما قدم الكتاب على عمرو فتح البطاقة فإذا فيها: (من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر؛ أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك) فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة وقطع السوء عن أهل مصر في تلك السنة).

فماذا صنع عبد القادر حمزة في تفنيد هذه الأسطورة البلهاء وقد انتقلت من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل حتى احتلت بعض الكتب المدرسية بالمدارس الثانوية، وحتى دخلت في منهج الاحتفال بوفاء النيل بصورة رمزية؟

أخذ عبد القادر يدور ويدور حتى صير هذه الأسطورة أضعف من وهم الخيال

ولكن كيف؟

هل فزع إلى المنطق فقرر أن من المستحيل أن يتوقف فيضان النيل على عروس تُلقى إليه؟ هل سارع فاستغرب قول أبن عبد الحكم إن النيل توقف ثلاثة أشهر عن موعده الموقوت وفي ذلك هلاك لأهل هذه البلاد؟ هل أنكر أن يكون لبطاقة عمر أبن الخطاب قوة الموهوم من آثار التمائم والتعاويذ؟

لو أن المؤلف اكتفى بهذه المحاولات لوصل إلى الغاية في نقص ذلك الحكم السخيف، ولكنه رأى الرجوع إلى المأثور عن المصريين القدماء فلم يجد لهذه الخرافة سنداً تعتمد عليه، فلو كان لها أصل لسُجلت في بعض ما سُجل من أخبار الفيضان، ولو كان لها أصل لعد فقدان عروس النيل سبباً في بعض ما أصاب مصر من مجاعات، ولو كان لها أصل لذكرت في (نشيد النيل) وهو نشيد قد استوفى خصائص هذا النهر العظيم وتحدث عما أطاف به من أوهام وأضاليل، ولو كان لها أصل لذكرت عروس النيل بين الهدايا التي كانت تقدم إليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>