للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ضُرِبْتُ لأني أرسلت لأشتري زجاجة لمبة فكسرت مني في الطريق، وكثيراً ما فسد مفتاحها فإذا أدرناه يميناً أخذ يرتفع اللهب ثم يرمينا بالهباب، وإذا أردناه شمالاً أخذ يهبط حتى لا نرى. وهكذا دواليك، حتى يضيق الصدر ونذهب إلى النوم قبل الموعد - وكثيراً ما نكون في سمر لذيذاً وحديث ظريف أو قراءة مُلِحةّ، ثم نسمع الزجاجة كسرت فينكسر قلبنا لأن الوقت ليس وقت بيع وشراء، أو ننظر فإذا الجاز قد فرغ ولا جاز لنا!

ثم رأينا الأسلاك تحزم البيت، وتحزم كل حجرة فيه وتدخل بيتنا الكهرباء فندير المفتاح يميناً فتضيء الحجرة ونديره شمالاً فتظلم - وأبى الله إلا أن يرزقنا هذه المرة أيضاً بخادم خطبت في قريتها وأرادت السفر لتتزوج، فطلبت منا أن نعطيها لمبة من اللمبات الكهربائية أو لمبتين لتنيرها في حجرتها ليلة زفافها - وكان لهذه الخادم فصل اظرف من هذا وألطف، فقد نظرت أول ما أتت من قريتها إلى السقف فلم تر فيه عروقاً تحمل ألواح الخشب (لانه كان من الأسمنت المسلح) فصعدت إلى السطح لتحقق الأمر لعل السقف مقلوب، وان العروق من فوق والأخشاب من تحت، فلما لم تر عروقاً فوق ولا تحت، أحست بالخيبة في تعليلها، وفوضت إلى الله أمرها!. .

ثم دار الزمن دورته وإذا بعامل يأتي ليحزم البيت من جديد، وإذا بالأسلاك تمد وعدة صغير تركب وجرس يدق وإذا بالتليفون، وإذا بنا نتصل بمن في القاهرة وضواحيها بل بمن في أنحاء القطر ويتصل بنا من أحب، وأحسست إذ ذاك أن البيت قد استوفى حظه من الحياة كما يستوفيها الجسم الحي الراقي من شرايين وأوردة على أدق ما تكون من نظام - وكان لي مع التليفون متاعب أود أحياناً أن لو كان لم يكن، وأحياناً محامد احمد الله ان كان - فقد كنت قاضياً، وبيتي وحده من بيت القضاة فيه تليفون يصلني برئيس المحكمة، فقد يتغيب قاض فجأة عن الجلسة فيدق التليفون - آلو - انتدبناكم اليوم لمحكمة العياط، ومرة أخرى لمحكمة الصف، وقد يكون اليوم ثقيلاً، حر يذيب رأس الضب، وأو برد يقفّ منه الجلد - على كل حال - فكثيراً ما كان نذيراً بشر، وكثيراً ما كان بشيراً بخير.

وأخيراً أتى العامل أول أمس يزيد الأحزمة حزاماً ولكنه في هذه المرة حزام ناقص - خط رأسي وخط أفقي، وآلة لا يأبه لها النظر، وفي ذلك سر عجب، هذا هو الراديو - فيه علم إن شئت، وفن إن أردت، وناطق إن أصغيت، وساكت إن أعرضت، ومتحدث بكل لسان،

<<  <  ج:
ص:  >  >>