والصبر هو تجلي النفس الإنسانية في أكمل صفاتها وأشرف درجاتها، تجلي النفس الإنسانية في عظمتها تعتز بقواها، وتستكبر على الأحداث، ولا تبالي الغضب والعنت، ولا تخشى الهلاك حتى تبلغ دعوتها واضحة وتؤدي واجبها كاملاً.
ولست أعرف فضيلة أكد القرآن الدعوة إليها توكيده الدعوة إلى الصبر، إذ كان عماد كل نجاح، وقوام كل جهاد، ونظام كل عمل صالح، وقرين كل خلق فاضل.
الصبر في القرآن قرين الحق لأن الحق لا ينصر إلا بالصبر. قال:(والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
والصبر قرين العمل الصالح إلا صبر النفس عما يزيَّن لها من الشهوات، وإقامتها على منهاج الفضيلة الذي يحرمها كثيراً مما تودّ. يقول القرآن:(إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير).
وقد جعل القرآن الكريم الصبر وسيلة إلى الإمامة والهداية فمن لم يصبر لم يقوم نفسه، ولم يستطع الدعوة إلى الحق والمسير إليه والجهاد في سبيله، قال:(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).
وقد أعلى درجة الصابرين وأبان فضل الصبر أعظم إبانة إذ قال:(واصبروا إن الله مع الصابرين) وحسبك بمن كان الله تعالى معه يسدد قوله وعمله وينصره، قد ذللت له كل الصعاب وضمن له كل ظفر. إن الله مع الصابرين لأنهم بصبرهم يستجيبون لدعوة الله ويسيرون في سبيله على قوانينه حتى يبلغوا ما وعدهم به، ومن سار في سبيل الله إلى دعوة الله فأحرِ به أن يوقن بالنجاح وأحر به أن ينال النجاح غير منقوص.
وجعل القرآن الصبر وسيلة إلى إدراك آيات الله في خلقه. وهل كشف الباحثون عن الحقائق إلا بالصبر على الطلب والدأب في البحث؟ قال القرآن في أكثر من آية:(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).
وبين القرآن أن الصبر عُدَّة المؤمنين في جهادهم في هذه الحياة إذ قال:(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) أمرهم أن يفزعوا إلى الله فيما ينوبهم من النوائب، فيتوجهوا إليه بالصلاة ويصبروا به على المكروه. ونِعمَ هذان عوناً على كل خير.