وأما جزاء الصابرين فالظفر في الدنيا والطمأنينة التي تلقى الشدائد ثابتة راضية ورضا الله تعالى وحسن الثواب في الآخرة. يقول القرآن الكريم:(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). وقال:(أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا). وقال:(ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وقال في جزاء الآخرة:
(والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وللصوفية من المسلمين تعليم في الصبر وتربية عليه جديران بأهل القرآن الذين استمعوا له واهتدوا بهديه، وقد كانت أقوالهم وأفعالهم أمثلة في الصبر.
يقول الجنيد: الصبر تجرع المرارة من غير تعبيس. وقال ذو النون المصري: الصبر التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة. وقال ابن عطاء الله السكندري: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقال أبو عثمان: الصبار الذي عود نفسه الهجوم على المكاره. وقال عمرو بن عثمان: الصبر هو الثبات مع الله تعالى وتلقي بلائه بالرحب والدعة. وقال أبو محمد الجريري: الصبر ألا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتصبر هو السكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة. وقالوا: تجرع الصبر فإن قتلك قتلك شهيداً، وإن أحياك أحياك عزيزاً.
وقد كانت سيرة الرسول صلوات الله عليه وسير أصحابه والمسلمين من بعدهم امتثالاً لأمر القرآن، وتصديقاً لبشارته، وإكباراً لتربيته، فغلبوا العدد الكثير والخطوب المتزاحمة بإيمانهم وصبرهم، ولم يعسر عليهم مطلب، ولا أملّهم دأب، ولا فاتت عزائمهم غاية، ونالوا جزاء الصابرين في الدنيا طمأنينة وظفراً وغلبة؛ والله ولي جزائهم في الآخرة.
وما كان صبرهم استكانة للمصائب ولكن استخفافاً بها، ولا ذلاَّ للخطوب ولكن كبراً عليها،