لأنها تحتاج إلى من يدل على ما فيها من مذاهب وآراء.
يضاف إلى ذلك أن هذا الصديق نصّ على أنه عُنِيَ (بأن يخرج الكتاب مبرئاً من الأوهام) فما تلك (الأوهام) التي يشير إليها بهذا التعبير المريب؟ أيكون تدخَّل في عبارات المؤلف بالحذف والإيصال؟ أيكون طوى بعض الأغراض لأسباب متصلة بتطور أفكار المؤلف، وتبدل ما كان يحرص عليه من أقوال؟
إن كان شيء من ذلك فقد كان من الواجب أن يشير إلى ضروب تلك (الأوهام) لأن لطفي السيد له في الحياة الفكرية تاريخ، ومن كان في مثل مركزه الأدبي فهو جديرُ أن تؤرَّخ تطورات فكره بلا تحسين ولا تجميل.
شخصية لطفي السيد
لا أنكر أني لقيت عنتاً في قراءة هذه المنتخبات، لأن المؤلف لا يصل إلى شرح أغراضه إلا بعسر وعُنف، وإن قيل ما قيل في قدرته على البيان.
ولكن القيمة الصحيحة لأستاذنا لطفي السيد باشا ترجع إلى أنه كان في جميع أدوار حياته (شخصية)، ولو أردت الدقة في وصفه لقلت إنه كان فهذه الكلمة الفرنسية تمثله أصدق تمثيل. . . ألم يقولوا إنه أول كاتب عربي تحدث عن الديموقراطية والديماجوجية؟
كان هذا الرجل ولا يزال قويّ الحواسّ إلى أبعد الحدود، وله في كل مسألة مَلحظُ خاص، وهو يجمع بين البداوة والحضارة فيما يتناول من شؤون الفكر والمعاش. وقد استطاع بقوة الذاتية أن يكون رجلاً مرموق المكانة في آمادٍ طوال، وربما صح القول بأنه أظهر البقية الباقية من الجيل الذي ظهر فيه، ولا يمكن ذلك لرجل غير مزوَّد بالزاد الأصيل من عافية البدن والروح.
وكتابات هذا الرجل لا تصور ما يملك من المواهب، لأن قلمه أضعف من روحه، ولأنه في سريرة نفسه يتهيب المجتمع، وإن اشتهر بالثورة على المجتمع؛ وإنما تظهر قيمة لطفي السيد حين يتحدث إلى أصفيائه بلا تكلف ولا افتعال، فعندئذ يظهر جيداً أنه خليق بما تسامى إليه من التفرد بين رجال العصر بشرح آراء أرسططاليس.
لطفي السيد كاتباً رجلُ هيوب، ولكن لطفي السيد محدثاً رجلُ شجاع، ومن هنا كان تأثيره بالكتابة أضعف من تأثيره بالحديث. . .