للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحذَر المأثور عن لطفي السيد هو الذي قضى بأن تمرّ ثورته الفكرية بلا صخب ولا ضجيج، كما مرّت ثورة محمد عبده وثورة قاسم أمين.

فكيف أصيب لطفي السيد بمرض الحذَر، وهو مرض يشلّ عزائم الرجال؟

يرجع السبب فيما أفترض إلى أن الرجل بدأ جهاده الأدبي والسياسي في عصر كانت تغلب عليه فورة الأقاويل والأراجيف، فكان مَثَله فيما يكتب مَثَل من يمشي على الشوك. ثم انتقل من التطبع إلى الطبع، فكان آية من آيات الحذر والاحتراس.

وأضرب المَثَل فأقول: أشرف لطفي السيد على الجامعة المصرية في عهدها القديم وعهدها الجديد عشرين عاماً أو تزيد؛ فهل ظهر له في توجيه سياستها العلمية شأنُ خاص، مع أنه في حقيقة الأمر قد أثَّر تأثيراً شديداً في أكثر ما امتازت به من الشؤون؟

تاريخ لطفي السيد في الجامعة المصرية ليس بشيء، وهو مع ذلك كل شيء، وتلك هي النقطة، كما يعبِّر لافونتين!

وقد عرفت بالتجربة أن لطفي السيد من الحكماء، فقد أراد هذا الرجل في ظروف كثيرة أن يغيِّر من أسلوبي في نقد الحياة والمجتمع، ولكنه لم يفلح، لأنني أردت غير ما يريد. أنا أردت ما كان يسميه في شبابه بالحقيقة العارية، وهو أراد ما هدته إليه التجاريب من مصانعة الناس والزمان.

والمهم هو أن أسجل أنك لا ترى لطفي السيد إلا حكيماً في كل شيء. هو صورة صحيحة من صور العقل الصحيح، لأنه أقام حياته على (الاعتدال) فلا يسرف في الحب ولا في البغض، ولا يجهل الوسط بين النشاط والخمود، ولا يغيب عنه أن اليوم له أغداء، وأن ما توجبه الساعة الحاضرة قد يمتد وقته إلى عام أو عامين، فمن السخف أن يقتل الرجل نفسه ليقال إنه أنشطُ الرجال.

أسرار (المنتخبات)

نحن أمام كتاب ممتع يقع في اثنتين وثلاثين وثلاثمائة صفحة بالقِطع المتوسط. وكلمة (ممتع) لها عندي مدلول خاص، فليس المراد أن هذا الكتاب يجذب القارئ إلى مسايرة المؤلف من الألف إلى الياء، هيهات هيهات! فما استطعت استيعاب موادّ هذا الكتاب إلا بمشقة وعناء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>