وإنما المراد هو وصف هذا الكتاب بجودة المحصول، فهو شاهد على ما يملك المؤلف من قوة الفكر والعقل، وهو شاهد على أن المنطق من أقوى خصائص الرجل الذي شغل نفسه بترجمة أرسططاليس، وهو دليل على حصافة الرجل الذي لم ينس العناية بهندامه في لحظة من اللحظات، ولو كان في قرار الخلوة بعقله الدقيق.
لطفي السيد في كتابه هذا مفكر حصيف، وإن تبذَّل في عرض بعض التوافه من الشؤون: كالحديث عن زينة النساء، والحديث عن عيوب (الانتخابات)، والحديث عن أوهام الفلاحين!
ولكن ما نسميه اليوم (توافه) لم يصر كذلك إلا لكثرة ما خاضت فيه أقلام الكتاب، وقد كان قبل ثلاثين سنة من الأمور ذوات البال.
وبهذا نعرف أن ما نراه اليوم من المبتذل كان قبلاً من الطريف.
قد يقال: وما الذي أوجب أن تثبَت بعض الموضوعات البائدة في (المنتخبات)؟
ونجيب بأن تلك الموضوعات لا يراد بها تعليم أبناء اليوم ما لم يعرفوه، وإنما يراد بها تسجيل بعض مشكلات المجتمع في العهد الذي أثيرت فيه، فهي من أسانيد التاريخ، وللتاريخ ألوان.
ومن هذا الباب ما جاء في كلام المؤلف عن صلة مصر بالدولة العثمانية، وما قصّ من أخبار السوريين المقيمين بمصر، وما تحدث عن رحلاته في بعض بلاد الغرب والشرق؛ فكل أولئك لا يهمّ شبان اليوم إلا من جانب واحد هو التاريخ.
لطفي السيد في كثير من آرائه رجل وسط، ولكنه قد يحلِّق من حين إلى حين تحليق الجوارح، كالذي صنع وهو يتحدث عن أحمد عرابي باشا، فقد سجل أن عرابي ليس وحده المسئول عن الثورة التي انتهت بالاحتلال. وحجة لطفي السيد في هذا الحكم الطريف أنه لم يثبت أن العرابيين قتلوا رجلاً واحداً لأنه تنبأ بسوء الخاتمة وحذَّر من عواقب الثورة. ومعنى ذلك أن الثورة كانت فورة شعبية، فليس من العدل أن يطوَّق بآثامها عرابي حين انتهت بتلك النتيجة السوداء.
وفي (المنتخبات) فصل يبدو لأول نظرة من المبتذلات، لأنه في موضوع مطروق، وهو الكلام عن الثقة بين الناس.