أن يجيب حضرة الأب إلى طلبه فرفض صبحي بك معتذراً. وإلى هنا تنتهي مقدمات النقد. وكان النشر بمجلة الثقافة نتيجة لهذه المقدمات.
ولعل القراء يعجبون كيف أن رجلاً من رجال الدين المنقطعين عن لهو الحياة الزاهدين فيها، المترهبين في سبيل الله والعلم ينزلق في هذا المنزلق ويزل هذه الزلة ولا حاجة له بمال ولا مطمع له في الدنيا ولا زوجة له ولا ولد؟ نعم إن هذا لباعث على العجب مفض إلى طول التأمل. ولكن ذلك هو الواقع مع الأسف. وما كنت لأتطوع جاهداً في كشف هذا السر العجيب لولا أن حضرة الأب المحترم قد تمادى في الهجوم على رجالات مصر، ومن قبل هاجم الدكتور شرف بك ثم الدكتور أحمد عيسى بك ثم حضرة صاحب العزة أحمد العوامري بك، وغيرهم من كبار رجالنا المشار إليهم بالبنان المكبين على العلم لأجل العلم لا لأجل المال. أولئك الذين أفنوا أعمارهم وأموالهم في الطلب والفحص والتنقيب غير مترقبين من الناس مالاً ولا مستجدين منهم أجراً، عالمين أن أجرهم عند الله أبقى.
لئن كان حضرة الأب قد نشر هذا النقد خدمة للعلم حقيقة فما هي الحاجة التي حملته على أن يطعن حضرة الدكتور صبحي بك في علمه وفي مهنته؟ وإليك بعض أقواله في مجلة الثقافة.
إن هذا لمن أعجب العجب. يتساءل راهب لغوي كيف أن طبيباً مصرياً عظيما، وأستاذاً في كلية الطب، ومن أمهر المشتغلين في القطر المصري بهذه الصناعة: يتساءل كيف حصل على شهادته! ألست تجد أيها القارئ أن مثل هذا الأمر يدل على حفيظة سببها أن هذا الدكتور لم يجُد عليه ببعض المال ليصحح أخطاء كتاب قديم وقف على طبعه؟ كان إذن من الواجب على الذين أعطوا الدكتور صبحي إجازة الطب أن يرسلوه لحضرة الأب أولاً ليجيز لهم أن يعطوه شهادته.
ومن أعجب العجب أيضاً أن يعترف حضرة الأب بأن كتاب الذخيرة (في أصله) مشوه وممسوخ. قال في الثقافة (العدد ٨٤ ص٤٠):
(اتضح أن هذا التصنيف ليس لثابت بن قرة، وبان بالعكس أن واضعه قليل البضاعة بعلم العربية، والكاتب قبطي من أهل المائة السابعة أو الثامنة للهجرة لجهله الألفاظ الطبية وتشويهه لها وجهله الأحكام اللغوية ومسخه لها مسخاً شنيعاً).