ذلك بأنها كانت تعلم في ذلك بوحي من السياسة الإيطالية. وأما من جهة النتائج فان الديمقراطية الاشتراكية كانت سنداً قوياً للحكومة في كفاحها ضد الدعوة الهتلرية، وكانت بطبيعتها هي الصخرة التي تتحطم عليها محاولات الوطنية الاشتراكية الألمانية، فالآن وقد سحقت، فانه يخشى أن لا تستطيع الكتلة المحافظة ان ترد بمفردها عدوان السياسة الألمانية، ومحاولات دعاتها في الداخل؛ واختفاء الديمقراطية الاشتراكية من الميدان يشجع الحركة الفاشستية على الظهور، وقد اشتد ساعدها الآن بالفعل وأضحى لأنصارها (الهايمفر) كبير نفوذ وسلطان في الحكم وفي تسيير الشئون العامة، والهايمفر يملون اليوم إرادتهم على حكومة فينا، وليس بعيداً أن يتحركوا غداً لانتزاع الحكم. بيد أن (الهايمفر) ما زالوا يؤكدون خضوعهم للدستور وولاءهم للحكومة؛ وقد نفوا غير مرة بلسان زعيمهم البرنس شتارهمبرج ما ينسب إليهم من التأثر نوحي السياسية الايطالية؛ وصرح البرنس شتارهمبرج غداة سحق الاشتراكية، بان الفاشستية النمسوية تقتبس حقيقة من مبادئ الفاشستية الإيطالية ولكنها ليست مقلدة عمياء، بل هي تفكر وتعمل طبقاً لظروف النمسا وحاجاتها؛ ولخص برنامج حزبه فقال: أن الهايمفر ابعد ما يكون عن فكرة إرهاق الطبقات العاملة، ولكنهم يعملون لجمع كلمتها حول مثل اجتماعية مشتركة؛ والهايمفر مخلصون لمبدأ الجامعة الجرمانية، ولكنهم أيضاً مخلصون لمبدأ الاستقلال النمسوي، ولا يقبلون بأي حال أن تبسط ألمانيا سيادتها على النمسا، ولا أن تبذل النمسا ذرة من استقلالها في سبيل إرضاء ألمانيا. وهم ينكرون مبادئ السياسة الهتلرية كلها لأنها تنافي مثلهم النصرانية هذا وليس هنالك في الآونة الحاضرة ما يدل على أن الهايمفر يفكرون في القيام بأية حركة لمقاومة الحكومة، وكل ما هنالك بالعكس يدل على أن التفاهم تام بين الفريقين.
وقد اتخذت مسألة استقلال النمسا عقب الحوادث الأخيرة أهمية خاصة، ولا سيما لما تبين من أن النازي النمسويين (الوطنيين الاشتراكيين)، سواء داخل النمسا أو في ألمانيا حيث يحتشد منهم عدة آلاف يتربصون الفرص لتنفيذ خطط حكومة برلين، ويدبرون الوسائل لإحداث انقلاب يمكنهم من انتزاع الحكم. وحكومة برلين هي التي تقوم في الواقع بتنظيم هذه الحركة كلها، وقد انتدبت لذلك عدة من الدعاة والمحرضين على رأسهم الدكتور هابخت، وحشدت من اللاجئين النمسويين قوة عسكرية كبيرة تهدد من آن لآخر باقتحام