صفات الذكورة وهو مقرون بالحنين والحياء، موصوف بالاتباع والاقتفاء، قليلٌ فيه ساطي المضاء وساطع الضياع، عارض له من المحاق ما يعرض للنساء؟
أهي زلة من زلات البداهة عند الشرقيين؟ أهم المستضعفون للأنوثة لا يفطنون لهذا المعنى الذي فطن له الغربيون؟ أم هو إمعان في البداهة أدركوا به من سطوة المرأة ما لم يدركه مذكرو الشمس ومؤنثو القمر، وأقاموا به ما عكسه أولئك الخاطئون؟
هو على كل حال من مفارقات الشرق والغرب، ولا بد لهما من مفارقات، ولو من طريق المصادفات!
وجاء البريد الإنجليزي الأخير فعاودتني هذه الخاطرة المتجددة كرة أخرى
في إحدى مجلاته مقال جميل للكاتب (ريتشارد ستراود يستوحي به المعاني التي أوحت إلينا مخافة الأقمار، وأن نقرن بينها وبين الغارات والأخطار، ولكنه جرى فيه على سنة التذكير في موضع التأنيث، والغبطة موضع الألم، والكتابة من الشمال في موضع الكتابة من اليمين، فحمد ليالي القمر، وود لو تتعاقب وتتكرر، وحسب أنهم موشكون أن يفتنوا بالأهلة والبدور، وهم أمة فتنت بالشمس من قديم الدهور.
قال إن التخبط في الظلمات إن هو إلا رمز محسوس لتخبط العالم بأسره في ظلمات رأس مخبول، ودماغ جاهل مجهول، فما أجدر الناس أن يحمدوا ليالي القمر كما يحمدون لمحات الصواب بعد غمرات الجنون! وما أحق هذا الكوكب أن يرمز اليوم إلى العقل والرشاد، وقد كان رمز الهيام والفتون!
ثم قال ما فحواه: إن سخرية القدر هي التي حكمت على عصر الكهرباء أن تقفر لياليه من الضياء. . . فمنذ فجر التاريخ والطرقات ما خلت قط من ضياء مصنوع على يدي ابن آدم: انطفأت المشاعل فأضاءت الفتائل، وانطفأت الفتائل فأضاءت مصابيح النفط والزيوت، وانطفأت هذه المصابيح فأضاءت أشعة الكهرباء، فلما بلغنا هذا المدى شاء لنا القدر أن نرجع إلى يوم لا مصباح ولا فتيلة ولا شعلة! واقترن ذلك بضراوة كضراوة السباع، وأصبحنا نبحث عن القمراء كما كانوا يبحثون عنها في عصور الظلمات، وعاد السؤال عن القمر كالسؤال عن الجو: نشيداً مطروقاً في الأحاديث، وتعلة معادة لابتداء الكلام!