لا. لم يتركوها ولا أبطئوا في الاستفادة منها. فقد رجع أناس من باحثيهم المتفرغين للملاحظة والدراسة إلى الأصل في النوم المتعاقب بضع ساعات، أو إلى الأصل في زعم الزاعمين أن الرقاد في الفراش ثماني ساعات كل يوم ضرورة لا محيص عنها للإنسان فيما بين الشباب الباكر والكهولة العاملة.
فسألوا: أهذا صحيح؟ ولم يا ترى يكون هذا كذاك؟
وظهر لهم من مجرد السؤال أن هذا الزعم ليس بالحقيقة المقررة، وليس بالرأي المستند إلى أصل وثيق.
فالهرة تنام غفوات غفوات بالليل أو بالنهار، وفصائل شتى من الماشية تنام كما تنام الهرة ولو لم تكن من كوادح الليل.
فما بال الإنسان لا يشبع حاجته إلى النوم على هذا المثال؟
كل ما أوجب النوم المتعاقب من قديم الزمن فإنما هو عادة الإنسان الأول أن يلوذ بالكهوف ويأوي إلى المضجع، لأنه لا يحسن أن يصنع شيئاً غير ذلك قبل اختراع الضياء المصنوع الذي يشبه ضياء النهار.
ولو أنه استطاع في ذلك العهد الدابر أن يعمل بالليل عمله بالنهار لما رسخت فيه عادة الهجوع من مغرب الشمس إلى مشرقها، ولأضاف إلى عمره بتفريق أوقات النوم عشر سنين، وتعوَّد أن ينام ساعة كلما أعياه الكد والكدح ساعات، فإذا هو بعد ذلك مفيق ناشط للعمل من جديد.
ولنرجع إلى الحساب في عصر الحساب.
فإذا صح أن غارات الليل ستعلمنا أن نضيف إلى كل حياة عشر سنين فقد نخرج من الجمع والضرب على أن الأعمار التي كسبها الإنسان أكثر وأغلى من الأعمار التي تضيع الآن!