كنا في ذلك الوقت صديقين، وكنا نلتقي في كل صباح وفي كل مساء، لإعداد ما نُلقي من الدروس بكلية الآداب، وللنظر في صد الجمهور عن الثورة على آراء أدبية لم تصل إليه إلا وهي محرَّفة بعض التحريف، وإن كان فيها ما يَشُوك رجال الدين.
ظهرت بوادر الثورة في جريدة كوكب الشرق، ثم انتقلت إلى جريدة الأهرام، وكان الشر كل الشر أن تنتقل إلى جريدة الأهرام، لأنها جريدة موسومة بالرزانة والعقل، ولا يُطعن فيها على الرجال إلا حين تصبح أقدارهم أهلاً للتجريح والتزييف.
وقد انزعج الدكتور طه من حملة الأهرام أشد الانزعاج، ولم يعرف كيف يجيب، مع أنه من أقدر الناس على اللجاجة والجدال.
وكان الشيخ محمد عبد المطلب، طيب الله ثراه، بطل الحملة (الأهرامية)، فكتبتُ في الرد عليه مقالاً ضاق به صدر الأستاذ داود بركات - رحمه الله - ورجاني أن أؤجل نشره على أن يقف حملة الشيخ عبد المطلب، فصممت على أن ينشر مقالي، وله بعد ذلك أن يفعل بهجوم الشيخ عبد المطلب ما يشاء!
وظهر مقالي في صدر الأهرام، ورأى فيه الدكتور طه انتصافاً من خصمه العنيد، وشكر صنيعي بكلمات تدل على مبلغ ارتياحه لدفع قالة السوء عن مركزه المهدد في ذلك الحين.
وفي اليوم التالي حدثني الدكتور طه بعبارة حزينة أن مقالي في الدفاع عنه لم يقع من بعض المقامات موقع القبول، لأني مدرس في الجامعة المصرية، ولأن دفاعي عنه يصور الجامعة بصورة الإصرار على ما في الكتاب المغضوب عليه من مذاهب وآراء.
فما تلك المقامات؟
كان الدكتور طه في ذلك الوقت مسنوداً بثلاثة رجال: عدلي يكن وعبد الخالق ثروت ولطفي السيد. وكان هؤلاء الرجال يريدون أن تمرّ العاصفة بسلام، ولا يتمَّ ذلك إلا إذا سكت طه حسين وأصدقاء طه حسين عن دفع العُدوان بالعدوان.
وكذلك قررت أن أدفع عنه شر خصومه في جريدة المقطم بدون إمضاء لئلا تغضب تلك (المقامات).