في الحداثة إلا أعواداً أماليد لا تأمن شر العواصف إلا بالانحناء والسجود.
لعلي أريد القول بأن طه حسين من أساتذة الأخلاق، فهو يقصد إلى إفهام الشبان أن العظيم لم ينشأ عظيما، وإنما عظُم بفضل الصبر على متاعب الجهاد، ومن حق طه حسين أن يتسامى إلى الأستاذية في الأخلاق، وهو بذلك التسامي خليق، فقد سمعت أنه أحرص الناس على رعاية واجبات الوفاء.
لعلي أريد القول بأن طه حسين أراد أن يخرج على نفسه مرةً واحدة فيشهد على نفسه بأشياء لا يعترف بها الرجل إلا وهو عارمٌ عَصوف.
لعلي أريد القول بأن طه حسين أراد محاكاة جان جاك روسُّو وأناطول فرانس، وقد فاتته صراحة روسُّو وعذوبة فرانس، لأنه طوى أهواءه الجنسية، ولأنه نسى أن الهيام بالجَمال أشرف من الهيام بالنعال.
لعلي أريد القول بأن طه حسين أراد أن يُفهمنا أنه طه حسين وتلك خدمة لن ينساها تاريخ الأدب الحديث.
صور المجتمع المصري في كتاب الأيام
كنت قضيت عاماً أو يزيد على استخلاص الصور التي رسمها الشعراني عن مصر في القرن العاشر، وهي الصور التي سجلتُها في كتاب (التصوف الإسلامي) والتي نهبها بعض الناهبين بكلية الآداب، يوم كان كتابي محفوظاً في تلك الكلية وهو مخطوط يأخذ عنه من شاء ما شاء، وعند الله جزائي، فما رُعِيَ لي عهد، ولا حُفظ لي جميل.
واهتمامي بتسجيل صور المجتمع المصري في القرن العاشر وأنا أدرس مؤلفات الشعراني جعلني أحرص الناس على تقييد ما سجل صاحب العزة الدكتور طه حسين بك من صور المجتمع المصري في القرن الرابع عشر، وهي صورٌ روائع، لأنها منقولة بأمانة ونزاهة وصدق. ويزيد في قيمة هذه الصور أنها أمست على شفا الانقراض، ولو رجع الدكتور طه إلى مسقط رأسه لعرف أنها أسقطت في غيابة التاريخ.
فعلى طلبة السنة التوجيهية أن يتأملوا تلك الصور، وأن يوازنوا بينها وبين ما يعرفون من أوهام العوامّ في الحواضر والأرياف، لأن في بعض أوهام العوام صوراً شعرية، ولأن خرافات اليوم لها نسبٌ صحيح إلى عهد الفراعين. . . وما أحب أن أزيد!