يتصرف في شؤونها الخاصة والعامة قيّمٌ قهار يملك عليها إرادتها، ويقبض على ناصيتها، ويسيطر على عملها وحريتها؛ فلا تتحرك في ظلامها الحالك إلا بعلمه، ولا تتصرف في حياتها الضيقة الأفق إلا بمشيئته.
توهم هؤلاء القدامى أنها قليلة العقل، ضعيفة الإرادة؛ ومن ثم لا بد أن تحاط بسياج منيع يحول بينها وبين مشتهياتها، وإلا اندفعت إلى الشر وارتكبت ما يجلب لها الإثم والعار؛ فعطلوا فيها حرية الفكر والرأي، وحجبوها عن الوجود بحجاب كثيف لا تستشف ما وراءه من نور وضياء، وأقاموا بينها وبين حقوقها سداً لا تستطيع أن تظهره، ولا تستطيع له نقباً.
ظن هؤلاء أنها لا تصلح إلا للمعيشة في داخل منزلها فعزلوها عن البيئة الخارجية كما يعزل المريض عن الأصحاء، وفصلوها عن المجتمع كما يفصل العضو من الكائن الحي، وأخمدوا جذوتها، وأطفئوا شعلتها، حتى صارت لا حول لها ولا طول، ولا قوة لها ولا ناصر. فبقيت رهينة المحبسين، وثالثة الأذلَّين أمداً طويلا.
وتحكم بداهة العقل أن في هذا التصرف جَوراً عن الاعتدال وإسرافاً في العسف والإذلال، وأن فيه كَبْتاً لغرائز المرأة وميولها وطبيعتها وسائر قواها، وأن نتائج هذا الكبت ضارَّة بها إلى حد كبير.
ومن أجل ذلك نادى المصلحون في عصور مختلفة بوجوب إعطائها حريتها المشروعة، وهي الحرية الصحيحة المقيدة بالنظم الدينية والقوانين الخلقية، ومن بينهم المرحوم قاسم بك أمين زعيم القائلين بإصلاح المرأة في مختتم القرن التاسع عشر ومفتتح القرن العشرين؛ إذ نادى بوجوب إنهاضها والأخذ بناصرها لتستمتع بما لها من الحقوق الطبعية والأدبية والدينية والاجتماعية ولتؤدي رسالتها التي خلقت من أجلها.
وإنه لم يجهر بهذه الفكرة إلا بعد أن محصها وقلبها على مختلف وجوهها، حتى اقتنع بصحتها، واستوثق من صدقها، وحلت منه محل العقيدة والإيمان، ثم أبرزها في كتابه (تحرير المرأة) وهذا ما عبر عنه في مقدمة هذا الكتاب حين قال: (هذه الحقيقة التي أنشرها اليوم شغلت فكري مدة طويلة كنت في خلالها أقلبها وأمتحنها وأحللها، حتى إذا تجردت من كل ما كان يختلط بها من الخطأ، استولت على مكان عظيم من موضع الفكر مني، وزاحمت غيرها، وتغلبت عليه، وصارت تشغلني بورودها، وتنبهني إلى مزاياها،