للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاسنتي: إني أحِّدق في راحتِكَ الواسعة يا أبتِ! وكأن يدي طير صغير قد وجد عشه فيها. إن راحتكَ فسيحة كهذه الأرض التي تتسع لكل شيء: هذه الخطوط أنهارها، وتلك فيها التلال. (تضع خدها على راحته)

سانياسي: إن مَلمسَكِ لناعم يا بنيتي كملمس النوم، وإنه ليخيل إلي أن في هذه اللمسة أثراً عظيماً من آثار الظلام الذي يجرح النفس جرح الأبد الخالد؛ ولكنك يا طفلتي لست سوى فراشة النهار: لك طيورك وأزاهير حقولك. فماذا تستطيعين أن تجدي فيّ أنا الذي حصرت مركزي في الوحدانية؟

فاسنتي: لا أريد شيئاً آخر غير حبَّك هذا فإنه يكفيني

سانياسي: تتوهم الفتاة أني أحبها، فيا لَذَات القلب الطائش! إنها سعيدة بهذه الفكرة فلتنمِّها وتشجّعها! دعها تتعلّل بي لأنهم قد نشئوا في أحضان الوهم فلا بد لهم منه لِتسليهم

فاسنتي: يا أبت، هذا العُصْبَةُ التي تمتد على العشب في التماس شجرة تلتف حولها إنما هي عُصبتي: لقد تعهدتها وأرويتها منذ أن نجمتْ منها ناجمتان من صغار الورق في الهواء كأنهما صرخة الطفل الصغير. إني أنا هي تلك العصبة: نشأتْ على جانب من الطريق، فمن السهل أن تقتلع. هل ترى هذه الأزهار الصغيرة الجميلة ذات اللون الأزرق الفاتح المنقّطة قلوبها بالنقاط البيض؟ ما هذه النقاط سوى أحلامها! دعني أمسحْ جبينك في لطف بهذه الأزهار، فعندي أن الأشياء الجميلة إنما هي مفاتيح كل ما لم أرَ وما لم أهتد إلى فهمه.

سانياسي: كلا، كلا، ما الجمال سوى ضرب من الخداع. وإن الزهرة والتراب في نظر الحكيم العارف لشيء واحد. ولكن ما هذا الضعف الذي يدب في عروقي ويسدل على بصري نقاباً خفيفاً من ألوان قوس قزح جميعها؟ هل هذه هي الطبيعة تحوك أحلامها من حولي لتضل حواسي؟ (ينهض فجأة ساحقا الأزهار) حسبي هذا، فإنما هو الموت. ما لعبك هذا، يا أيتها الفتاة، معي؟ إني أنا هو الزاهد (سانياسي) لقد قطعت عُقد نفسي كلها فأنا الآن حر طليق. كلا ثم كلا، لا تذرفي الدموع فإني لا أطيق احتمالها؛ ولكن أين كانت تختبئ هذه الحية في قلبي أين كان هذا الغضب الذي زحف خارجاً من ظلماته مرهف الناب؟ كلا. . . إذاً فهي لم تمتْ بل ظلت حية لإنشاء المجاعة: هذه المخلوقات الجهنمية قد جَمَّعتْ هياكلَها المقعقِعة وقامت تتراقص بينا أخذت أستاذتُها الساحرة الخطيرة، في إيقاع ألحان

<<  <  ج:
ص:  >  >>