وجميع قوانين الطبيعة قوانين متحجرة صارمة إلا هذا الإنسان فإنه قانون مرن يذهب في كل اتجاه. أليس فيه نفخة من روح الله ليست في سواه؟! والله خالق هذه القوانين وواضعها؛ فلا عجب أن تدفعه هذه النفخة إلى الأمام في مجاهل الكون دائماً
إن الأطفال يقلدون الرجال بغريزة التقليد والمحاكاة التي فيهم للاستعداد لمستقبل الفرد، والرجال يقلدون صنع الله للاستعداد لمستقبل الإنسانية كلها. وجميع آلاتهم التي ركبوها وجدوا نماذجها أمامهم مما خلق الله. وجسم الحيوان هو نموذج الآلات الكبيرة السريعة التي ابتدأ بها الإنسان يتسلط على المكان والزمان والمسافات والأبعاد. وجميع أعمالهم في الكهرباء والقوى الخفية إنما وجدوا نماذجها من المجموعات العصبية في الحيوان والنبات، فأرسلوا الإشارات والصور والأصوات إلى عيون وآذان صناعية عبر المحيطات والصحارى والقارات والجبال الشاهقات كما يرسل الجسم الواحد خواطره وصوادره إلى كل خلية في أعضائه.
وعلى ذلك صارت الأرض كجسم ينبض ويترابط، وإنسانها فيها كالمراكز العصبية في الجسم الحي: تصدر وتتلقى الجواب
حياة الشرنقة
ولكن هل يجوز أن يقف الإنسان في ضجة ما صنع من الآلات والمفرقعات ضائعاً مغموراً غائباً فيها كما تغيب دودة القز في الشرنقة التي تنسجها، وكما تغيب النواة في النخلة السحوق والبذرة في الدوحة الفارعة؟
إنه يرسل في الطبيعة لمحات فكره وومضات خواطره، وصار الأثير والهواء والماء والتراب مليئاً بهمساته وأزيز محركاته وضربات معاوله إلى أعماق المناجم والركاز.
وهذا حسن لو أنه لا ينسى نفسه وسط الضجة والقوة والجبروت الآلي، والحديد البليد القاسي، حتى يختنق ما فيه من وداعة الروح وتأمل الفكر، والإحساس بالانفصال عما صنعته يداه
أجل يجب ألا يكون الإنسان قوة عمياء تعمل في المادة بدون فكر وروح وإحساس صوفي فيما تعمل ولذة به وإلا استحال إلى قوة متنقلة في عمليات التكوين والتركيب بدون وعي وفي ذهول وغفلات تشبه عمى القوى العمياء