ومن أمثلة ذلك كتاب من أمنوفيس الثالث يشكو فيه اختيار الرسل الذين حملوا إليه الكتاب والهدايا من بين ذوي المراتب الثانوية في المجتمع، وكان هذا الكتاب وتلك الهدايا من ملك بابل. وقد تضمن الكتاب كذلك شكوى من ضآلة قيمة الهدايا ولكنه مع ذلك بعث مع الرد بهدايا قيمة ووعد بأن يرسل أكبر قيمة منها متى قبل الملك البابلي تزويجه من بنته
وبدأت المنافسات بين الملكين المصري والبابلي في عهد أمنوفيس الثالث، ولكن مداها اتسع في عهد أخناتون إذ تفوقت بابل على مصر. وتدل بعض هذه الرسائل على ما كان ملك أشور يعلقه على نفسه من الأهمية فقد كان يلقب نفسه (الملك الكبير الذي يصر على المساواة مع فرعون مصر الذي يخاطبه بلفظ أخي) وهو ينوه في خطابه لأخناتون بقدر الهدايا التي تلقاها جده من فرعون سابق فقد كانت عشرين وزنة من الذهب، وهو يذكر في الخطاب أنه لا يعدو جانب التواضع حين يطالب أخناتون بالا تقل قيمة هديته عن هذا القدر حفظاً لكرامته
وتدل الرسائل أيضاً على أن مصر رفضت التدخل في المنازعات التي كانت بين بابل وبين أشور، عدا أنه لما اقتصر الخلاف على أمر الحدود بين الدولتين قبل أخناتون أن يتوسط لمصلحة الآشوريين لدى البابليين سادتهم القدماء. وهذه السياسة بين الملوك الأقدمين تطرد مع ما يجري في زماننا كأنما التاريخ يعيد نفسه
وأكثر هذه الرسائل مبعوث به إلى ملك مصر، وأقلها مبعوث به من مصر. ومن بين ما بعثت به مصر أربعة كتب للملوك منها ثلاثة لملك بابل والرابع إلى ملك ارزاوا. أما الرسائل التي وردت إلى مصر فمنها ما هو من بابل ومنها ما هو من أشور أو من مملكة الحيثيين أو سوريا، وأحدها إلى أمنوفيس الثالث والد أخناتون. ورسالتان أخريان إلى سيدتين مصريتين
ولهجات هذه الرسائل مختلفة اختلافاً بيناً، حتى لقد وجد المترجمون مشقة شديدة في ترجمتها، فلها من هذه الناحية أهمية لغوية عند علماء اللغات السامية
وفي الرسائل وصف دقيق لبعض عادات القدماء ومراسيم الدين وتقاليد الزواج، كما أن لها أهمية جغرافية، وتدل هذه الوثائق في جملتها على سيادة مصر على آسيا الغربية وعلى هيبتها منذ طردت الهكسوس إلى عهد أمنوفيس الرابع